اختتمت منتصف ليل أمس حملة الانتخابات التشريعية الجزائرية المقررة الخميس المقبل، وسط فتور واضح دفع مراقبين إلى وصف أجواء الحملة بأنها بين «الأسوأ» منذ فتح المجال للتعددية السياسية قبل عقدين. وتراجعت بورصة توقعات الفوز والخسارة، ليحل محلها سجال آخر بين أنصار المشاركة ودعاة المقاطعة. وأجمع مراقبون على وصف الأسابيع الثلاثة التي خصصت للحملة الانتخابية ب «الباهتة»، قياساً لعدم تمكنها من جذب اهتمام غالبية الجزائريين. وتقاسم 44 حزباً آلاف القاعات المجهزة في الولايات خصصتها وزارة الداخلية للقاءات قادة أحزاب. وانعكست مظاهر لا مبالاة الشارع بالحملة الانتخابية على الحملات التي يقودها مرشحون ولم يسلم ملصق واحدة من مجهولين يعملون على تمزيق الدعاية. وألغيت تجمعات كثيرة بعد رفض سكان دخول زعماء أحزاب لأحيائهم ورشق بعضهم وتعرض آخرون للضرب في مظاهر غير مسبوقة. لكن محللين يربطون هذه المظاهر بمدى «قنوط الجزائري من العمل السياسي ورفضه بالشكل الذي هو عليه». ولاحظت الحكومة التي كانت تدرك مسبقاً أن كثيرين غير راغبين في التصويت، أن حجم اللامبالاة بالحملة الانتخابية فاق كل التوقعات، فأطلقت بدورها حملات دعائية مستمرة في القنوات الحكومية والإذاعات المركزية والمحلية، انخرط فيها مشاهير وفنانون ولاعبو كرة قدم. وساق زعماء أحزاب خطاباً انتخابياً يشبه إلى حد كبير الخطاب الرسمي، يتعاطى مع الشؤون العامة من زاوية إدارية بحتة ولا يفتح المجال للنضال السياسي، لكن مراقبين لاحظوا فروقاً في الخطاب بين الأحزاب تحدده نشأتها. وتقلص السجال الذي دار لشهور بين الإسلاميين والتيارات المنافسة في شكل كبير، بعدما توهج معززاً بنتائج الانتخابات التشريعية في المغرب وتونس ومصر حيث صعد الإسلاميون. بيد أن عزوف الشارع الجزائري قرب وجهات النظر بين المعسكرين. واشترك الإسلاميون والليبراليون في الدعوة إلى المشاركة بقوة من جهة، وعرض نتائج مفترضة للمقاطعة من جهة أخرى. وتبنت غالبية الاتجاهات فحوى خطاب للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في وهران في شباط (فبراير) الماضي قال فيه إن «التصويت يعني حماية الجزائر من التدخل الأجنبي». وتتكتل ثلاثة أحزاب إسلامية هي «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح» في قوائم موحدة سميت «تكتل الجزائر الخضراء». ورفضت ثلاثة أحزاب إسلامية أخرى اللحاق بالتكتل، هي «جبهة العدالة والتنمية» لعبدالله جاب الله، و«جبهة التغيير» لعبدالمجيد مناصرة، و«جبهة الجزائرالجديدة» التي يقودها جمال بن عبدالسلام. ودخلت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المنحلة على خط الداعين إلى مقاطعة التشريعيات، وشكل موقفها مادة دسمة لتشكيلات سياسية تتبنى المرجع الوطني الراديكالي هاجمت «الإنقاذيين» طيلة أيام الحملة الانتخابية، بينهم الوزير الأول أحمد أويحيى مسؤول «التجمع الوطني الديموقراطي»، وعمارة بن يونس رئيس «الحركة الشعبية الجزائرية». بيد أن دخول «الإنقاذ» على خط المقاطعين قابلته عودة أقدم حزب معارض للمشاركة في التشريعيات. وتقود «جبهة القوى الاشتراكية» حملة لا تكاد تشكل فارقاً كبيراً عن باقي الأحزاب المتنافسة، فيما يغيب عن السباق الغريم «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية»، وهو حزب علماني معارض يقوده سعيد سعدي. وأسس سجال المشاركة والمقاطعة لبروز «حرب» إفتاء بين رجال دين. وأنهى وزير الشؤون الدينية أبو عبدالله غلام الله مظاهر هذه «الحرب» بقوله مساء أول من أمس إن «الانتخاب واجب قبل أن يكون حقاً وهو يدخل في إطار طاعة ولي الأمر الذي دعا الشعب إلى الانتخاب وأداء الشهادة التي تحدث عنها القرآن في قوله تعالى: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه». وتقول لجنة الإشراف على الانتخابات إن أيام الحملة الانتخابية «سارت في شكل عادي ومجموع الخروق لا يرقى إلى درجة المخالفات الكبرى». وأعلنت في اليوم الأخير من الحملة أن «مجمل الإخطارات تتعلق بالعرض العشوائي للملصقات للتشكيلات السياسية، أو استعمال وسائل الدولة خلال الحملة الانتخابية وعقد تجمعات من دون الحصول على رخصة».