في لغة النقد و«عاداته» نتحدث عن قوة الدراما فنياً وفكرياً، أي عن جاذبية المشاهدة ومتعة السرد وفوائده، غير أن هذا كلّه لا يحجب من واقعنا الفني حقيقة أخرى بدأت تدهم حياتنا، وتفرض حضورها واشتراطاتها، وفي بعض الأحيان هيمنتها: إنها الإعلانات. ففي حين تعمد القراءات النقدية إلى تدعيم صوابها بآراء المشاهدين، ونتائج استطلاعات الرأي حول الأعمال الدرامية التي نالت إعجاب الناس، تذهب قراءات أخرى إلى لغة الإحصاءات والأرقام، فتستقصي ما حقّقته الأعمال الدرامية من إعلانات تجارية... أي ما حقّقته من مكاسب مالية نتجت من بثّ إعلانات تجارية خلال عرض كلّ مسلسل. هكذا برز في الحياة الفنية عامل جديد أخذت شركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية تحسب لوجوده الحساب الأهم، بل إنها – في أغلب الأحيان - «تجتهد» لأخذ شروطه في اعتبارها خلال العملية الإنتاجية بدءاً من القصة ونوعيتها ومضامينها، مروراً بأسماء الممثّلين، وليس انتهاء بفرض نوع من الرّقابة على ما تعتبره محظورات لا يجوز التعاطي معها. قراءة الصحف العربية في زواياها النقدية خلال السنوات الأخيرة تؤكد ارتباط زخم الإعلانات التجارية بأسماء محدّدة من الممثّلين العرب، الذين يعني حضورهم في هذا العمل الفني أو ذاك كثافة في المشاهدة... وبلغة التجارة والأرقام مزيداً من الإعلانات التجارية التي تعني مزيداً من الأموال. مع ذلك يجمع النقاد والمتابعون على أن المشاهدة الدرامية الأكثر كثافة تتحقق هذه الأيام للمسلسلات التركية المدبلجة باللغة العربية وباللّهجة السورية، ما يعني أن تحالف هذه الدبلجة مع المعلنين يشكّل في المدى المنظور أخطاراً حقيقية على الدراما العربية، خصوصاً أنها إلى ما تحققه من كثافة المشاهدة، تظلُ رخيصة التكاليف وأقرب إنتاجياً إلى مسلسل إذاعي. هل يعني هذا أننا ضد عرض المسلسلات التركية المدبلجة؟ المسألة تتجاوز ذلك بكثير، فما نقصده من التنبيه الى أخطار الآتي هو التشديد على ضرورة الارتفاع بمستوى الدراما العربية، كي تكون أكثر قدرة على المنافسة، وبالذات تمكينها من أن تكون أكثر جمالية وتشويقاً. فالفن ليس حكايات مصوّرة وحسب، بل أيضاً لغة بصرية لا يجوز أن تظل ّركيكة تعصف بها «القادمات».