انقسم الإسلاميون والقوى الثورية الشابة في مصر في شأن المشاركة في فعاليات «جمعة الزحف» أو «النهاية» كما سماها الشباب قرب مقر وزارة الدفاع، أو «جمعة حماية الثورة وحقن الدماء» كما سماها الإسلاميون وعدد من الأحزاب التي ستتظاهر في ميدان التحرير، فيما استنفرت قوات الشرطة العسكرية قرب وزارة الدفاع استعداداً لتجمع يتوقع أن يكون حاشداً في ميدان العباسية وصولاً إلى مدخل شارع الخليفة المأمون المطل على مبنى الوزارة. ولوحظ تعدد الحواجز الحديدية والأسلاك الشائكة عند مدخل الشارع للفصل بين جنود الجيش والمتظاهرين كي لا تحدث احتكاكات قد تتطور إلى اشتباكات بين الطرفين. ومرت ليلة أول من أمس بهدوء في اعتصام ميدان العباسية من دون تكرار الاشتباكات بين المتظاهرين ومسلحين دأبوا على مهاجمتهم في الليالي الماضية ما أسقط عشرات القتلى والجرحى. وزادت الانتقادات الموجهة للمجلس العسكري. ولوحظت زيادة أعداد خيام المعتصمين الذين بدأوا الاستعداد للحشد بلافتات كبيرة كتبت عليها عبارات تندد بحكم العسكر، وهتفوا أمس بسقوط رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير حسين طنطاوي. وزار القيادي الإسلامي البارز محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري ميدان العباسية أمس وسط حشد من أنصاره للتضامن مع المعتصمين، فيما وصلت إلى مقر الاعتصام مسيرات عدة نظَّمتها قوى ثورية وروابط مشجعي كرة القدم، ليصل عدد المتظاهرين مساء أول من أمس إلى أكثر من 100 ألف، ما دفع قوات الشرطة إلى الانسحاب من العباسية خشية الصدام. وأفيد بأن مسيرات عدة ستتوجه إلى مقر وزارة الدفاع من مساجد قريبة منها عقب صلاة الجمعة. وقال مؤسس «حركة 6 أبريل» أحمد ماهر ل «الحياة» إن «الحركة ستشارك في مسيرات ستنطلق من ميدان التحرير اليوم إلى وزارة الدفاع للتأكيد على مطالب محددة، وهي ألا يكتب الدستور تحت حكم العسكر، وكذلك إلغاء المادة 28 التي تحصن قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة ضد الطعن، والتشديد على عدم تأجيل انتخابات الرئاسة». وأوضح أن «الحركة شاركت في اعتصام وزارة الدفاع على رغم الاختلاف مع بعض المطالب، من أجل الدفاع عن المعتصمين ضد البلطجية». وأكدت قوى ثورية مشاركتها في هذه المسيرات، ومنها «ثورة الغضب الثانية» و «الجبهة الحرة للتغيير السلمي»، و «حركة 6 أبريل» بجناحيها، و «تحالف القوى الثورية»، و «حركة شباب من أجل العدالة والحرية». وقال عضو «ائتلاف شباب الثورة» محمد القصاص ل «الحياة» إن أعضاء في ائتلافات ثورية عدة عقدوا اجتماعاً في ميدان العباسية شارك فيه ممثل عن جماعة «الإخوان المسلمين» واتفق في نهايته على المشاركة في المسيرات التي ستنطلق إلى وزارة الدفاع اليوم. وأضاف أنه «اتفق على أن هذه المرحلة تقتضي الضغط ليس من خلال ميدان التحرير ولكن من عقر دار المجلس العسكري». لكن الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان أكد ل «الحياة» أن «الجماعة ملتزمة بالتظاهر مع بقية الأحزاب في ميدان التحرير، لأنها ترى أن المكان غير مناسب». وأضاف أن «كل فصيل حر في اختيار أولوياته ورأينا لن يقدم شيئاً ولن يؤخر بالنسبة إلى الآخرين». وكانت أحزاب عدة أعلنت التظاهر في ميدان التحرير، وهي «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، و «غد الثورة»، و «الحضارة»، و «الوسط»، و «البناء والتنمية»، فيما امتنع حزب «الوفد» عن المشاركة في أي تظاهرات. وقال عضو هيئته العليا عصام شيحة ل «الحياة» إن «الوفد لن يشارك في أي فعاليات احتجاجية لأن المناخ العام لا يحتاج إلى مليونيات». واعتبر الناطق باسم «الجماعة الإسلامية» محمد حسان أن «مطلب معتصمي وزارة الدفاع عادل، لكن الوقت والمكان غير مناسبين للتظاهر أمام الوزارة، ومن ثم فإن الجماعة ستشارك في تظاهرات التحرير». أما حزب «النور» السلفي، فقال رئيس كتلته البرلمانية السيد مصطفى ل «الحياة» إن «الحزب قرر عقد اجتماع طارئ لهيئته العليا من أجل اتخاذ قرار بخصوص المشاركة في التظاهرات». لكن رئيس الحزب عماد عبدالغفور كان طالب المرشح السلفي المُبعد حازم أبو إسماعيل بدعوة أنصاره إلى العودة إلى ميدان التحرير وفض اعتصام العباسية، ما يرجح مقاطعة الحزب الاعتصام. كما طالبت «الدعوة السلفية»، وهي الجماعة الأم لحزب «النور»، بضرورة إخلاء ميدان العباسية «درءاً لمفسدة سفك الدماء». وقالت في بيان: «من كان مُصراً على الاعتصام، فليكن في ميدان التحرير، مع ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية في هذا الأمر». وردَّ أبو إسماعيل على هذه المطالبات باتهام الإعلام ب «تزييف الحقائق وإظهار أنصاري على أنهم من صنعوا أحداث العباسية». وقال على صفحته الرسمية على موقع «فايسبوك»: «هناك بعض الأفراد والهيئات تطالبني بوقف هذه الأحداث، حتى يثبت في أذهان الجميع أنني صاحب التأثير عليها». وطالب كل من نزل من أجله بأن يعود، لافتاً إلى أن «أصحاب القضايا العامة الذين ليس لي سلطان عليهم هم فقط المستمرون». وعقدت لجان عدة في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) اجتماعاً مشتركاً طارئاً أمس لمناقشة الأحداث، وسط انتقادات لغياب البرلمان عن لعب أي دور لإيقاف العنف ضد المعتصمين. وحمَّل رئيس البرلمان سعد الكتاتني المجلس العسكري والحكومة مسؤولية الأحداث. وأكد في كلمته أن «مجلس الشعب لن يتخلى عن حق المصريين في التظاهر وصون دمائهم». وقال: «في الوقت الذي ينتظر المصريون انتقالاً سلمياً للسلطة ينتهي في 30 حزيران (يونيو) المقبل فوجئوا بأحداث العباسية التي تعتبر تكراراً للأحداث الماضية في محمد محمود ومجلس الوزراء... لا يمكن أن يمر الحدث مرور الكرام، خصوصاً أن حرية التظاهر والتعبير مكفولة حتى ولو كانت في المكان غير المناسب أو مكان خطأ». وأكد أنه «لن يرضى أي مصري بسفك الدماء المصرية، والبرلمان لن يتخلى أبداً عن أي مواطن وسيدافع عن حق التظاهر وسيحاسب المُقصِّر الذي لم يقم بالدور المطلوب منه في هذه الأحداث». وتبرأت وزارة الداخلية من الأحداث. وقال نائب مدير أمن القاهرة ماهر مراد إن «هناك تشكيلات أمن مركزي انتقلت من أجل محاولة فض الاعتصام والحيلولة بين المعتصمين وبين (المهاجمين) من اعتبر أنهم أهالي العباسية وتم رشق قوات الأمن بالحجارة والتعدي عليها وتحطيم سيارة شرطة، ونتيجة ذلك أمر وزير الداخلية بتجهيز تشكيلات بالاشتراك مع القوات المسلحة برئاسة مدير الأمن لفض الاشتباكات»، موضحاً أن «المعتصمين انصاعوا لأوامر الداخلية بالتزام أماكنهم حينما تأكدوا من حسن النية». وفي واشنطن (أ ف ب) دعا الناطق باسم الخارجية الأميركية مارك تونر إلى تحقيق في أعمال العنف التي أسقطت 20 قتيلاً في محيط وزارة الدفاع. وقال: «لدينا قلق كبير إزاء أعمال العنف الأخيرة في مصر»، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة «تريد رؤية نهاية فورية لأعمال العنف هذه». وأضاف: «نرغب في رؤية الحكومة المصرية تتولى تحقيقاً في هذه الأحداث ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف هذه. ندافع بطريقة واضحة عن حق جميع الأفراد بالتظاهر السلمي».