يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدّد بنيامين نتانياهو تحدياً غير مسبوق. وبما أنّه صاحب أطول ولاية في رئاسة الوزراء الإسرائيلية بعد أن شغلها منذ ثلاث سنوات، بدا وكأنه لا يمكن زحزحته من منصبه. غير أنّ شخصيات بارزة في جهاز الأمن الإسرائيلي بدأت إلى جانب يهود أميركيين بارزين بتوجيه انتقادات علنية إلى سياستين من بين سياساته الأساسية هما وصفه برنامج إيران النووي بأنه يشكّل خطراً «وجودياً» على إسرائيل، الأمر الذي ينذر بإمكان حصول محرقة أخرى، واستمراره في توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف إنشاء «إسرائيل الكبرى» كما يتوقّع البعض. وقد ينتج من تحدّي نتانياهو عواقب واسعة النطاق. من جهة، يبدو أنّ هذا التحدّي أبعد إمكان حصول هجوم إسرائيلي على إيران كما هدّد نتانياهو وتوعّد على مدى سنة وأكثر. من جهة أخرى، أعاد إحياء إمكان اعتماد حلّ الدولتين للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بعد أن اعتبر بعض الأشخاص أنّ هذا الحل يحتضر أو أصبح بالأحرى في حكم الميت. ويبدو أنّ أكثر نقاد نتانياهو قسوة هم ضباط في الجيش ورؤساء استخبارات إسرائيليون. خلال لقاء عُقد في نهاية شهر نيسان (أبريل)، أعلن يوفال ديسكن الذي تقاعد أخيراً من منصبه كرئيس لجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل «الشاباك» أنه «لا يثق بالقيادة الحالية لدولة إسرائيل التي قد تجرّ إسرائيل إلى حرب مع إيران أو إلى حرب إقليمية». كما اتهم نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك باتخاذ قرارات متهورة «لقد عرفتهما عن كثب... ولا أرغب في أن يديرا دفة الأمور». ورأى ديسكن أنّ الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يؤدي إلى «تسريع برنامج إيران النووي» بدلاً من وقفه. كما انتقد ضابط رفيع آخر هو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي الجنرال بيني غانتز أقوال نتانياهو المبالغ فيها. فصرّح لصحيفة «هآرتس» في شهر نيسان «أظن أنّ القيادة الإيرانية تضمّ أشخاصاً عقلاء» مضيفاً أنه لا يصدّق أنّ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي «يرغب في بذل جهود حثيثة» لحيازة الأسلحة النووية. وناقض رئيس المخابرات الإسرائيلي الحالي («الموساد») تامير باردو أقوال نتانياهو معتبراً أنّ إيران لم تفرض أي «خطر وجودي» على الدولة اليهودية. وسخر من جهته مئير داغان، رئيس الموساد الأسبق من دعوة نتانياهو إلى شنّ حرب معتبراً أنّ فكرة شنّ هجوم على إيران هي «أسخف ما سمعت» وأنّ الهجوم الإسرائيلي التحسبي هو تصرف «متهوّر وغير مسؤول». وفي إطار مقابلة مع بين كاسبيت من صحيفة «معاريف» في 27 نيسان انتقد الأحزاب الصغيرة في ائتلاف نتانياهو التي تحرم رئيس الوزراء من حرية التصرّف بسبب أجندتها المحدودة لا سيّما أنه مضطر للانصياع لرغباتها في حال أراد أن يبقى ائتلافه قائماً. وانتقد داغان بشكل رئيس جماعة ال «هاراديم» التي تضمّ يهوداً أورثودوكساً محافظين لا يخدمون في الجيش ويدفعون ضرائب أقل من الإسرائيليين الآخرين ويسعون إلى الترويج للتمييز الجنسي في إسرائيل وفي نيويورك أيضاً! ويرى داغان أنّ «روح القانون» تتطلّب «توزيعاً عادلاً للضرائب بين كافة المواطنين» معتبراً أنه يجب إجبار الهاراديم على الخدمة في الجيش فيما يترتب على عرب إسرائيل أن يخدموا في الشرطة وفي فرق الإطفاء أو في «ماجن دافيد أدوم» وهو المعادل الإسرائيلي للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر إن لم يخدموا في الجيش. كما أعلن رئيس الموساد الأسبق إفرايم هاليفي أنّ «تطرّف الأورثوذوكس يشكل خطراً أكثر من ذلك الذي يفرضه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد». وأضاف أنّ إيران لا تشكل أي خطر وجودي على إسرائيل. وأشار أخيراً شاوول موفاز، قائد الأركان ووزير الدفاع الأسبق الذي يتبوأ رئاسة حزب «كاديما» الوسطي في إسرائيل في مقابلة تلفزيونية أنّ أي هجوم على إيران سيكون «كارثياً». واعتبر أنّ نتانياهو «يريد أن يروّج صورة يبدو فيها حامي إسرائيل». واتهم رئيس الوزراء باستخدام إيران كأداة لتحويل الأنظار عن التظاهرات التي حصلت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي حين نزل 450 ألف إسرائيلي إلى شوارع تل أبيب للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية. تُظهر هذه التصريحات الأخيرة التي أطلقها قادة أمنيون سابقون وحاليون في إسرائيل مدى جدية التحدي الموجّه ضد آراء نتانياهو ومدى تعطش عدد كبير من الإسرائيليين إلى التغيير. وفي ما يتعلّق بالمسألة الفلسطينية، يدلّ مقالان مهمّان نُشرا في صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 25 نيسان (نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز») على وجود منحى تفكير جديد في صفوف اليهود البارزين. وفي أحد المقالين، دافع عامي أيالون وهو قائد سابق للبحرية الإسرائيلية ورئيس أسبق لل «شاباك» عن «مقاربة أحادية جديدة» للمسألة الفلسطينية التي من شأنها وضع «شروط التوافق على الأراضي على أساس دولتين لشعبين، الأمر الذي يعدّ أساسياً لمستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية». وأنشأ أيالون من أجل الترويج لأفكاره وحشد داعميه منظمة تدعى «بلو وايت فيوتشر» (المستقبل الابيض والازرق). ويرى أنّ إسرائيل لا تحتاج إلى انتظار التوصل إلى اتفاق على الوضع النهائي مع الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، يجب أن تتوقّف عن المطالبة بالحصول على الأراضي شرق الجدار الأمني في الضفة الغربية وعن بناء المستوطنات هناك وفي القدسالشرقية والتخطيط لإعادة مئة ألف مستوطن يعيشون وراء الجدار إلى إسرائيل. وأضاف أنّ إسرائيل يجب أن «تُصدر قانون تعويض واستيعاب للمستوطنين شرق الجدار». وفي ظلّ غياب أي اتفاق مع الفلسطينيين، يرى أن إسرائيل يجب أن تبدأ بإنشاء واقع الدولتين على الأرض. وفي الصفحة نفسها في صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» دعا ستيفن روبرت وهو فاعل خير يهودي بارز ومصرفي سابق ورئيس مؤسسة «مصدر الامل» إلى «تغيير» التفكير اليهودي. وتابع إن إسرائيل لم تعد «دولة صغيرة عرضة للهجوم بل باتت القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط». غير أنّ ما يهدّد وجودها هو «احتلالها أراضي 4 ملايين فلسطيني على مدى نحو 40 سنة وحرمانهم من حرية التحرك ومن حقوقهم المدنية والسياسية. فيتمّ الحكم عليهم بالسجن من دون أي تهمة. ويفتقرون إلى الماء والوظائف. فهم مواطنون لا ينتمون إلى أي أرض...» وتمنى بشدّة «أن يدرك الإسرائيليون أنّ تحرير الفلسطينيين سيساعدهم على تحرير أنفسهم أيضاً. فالدولة التي تضطهد الدول المجاروة لها وتنكر وجودهم بنفس الطريقة التي عاملنا بها من عذبونا في الماضي ليست مقبولة». ويقدّم كتاب صدر مؤخراً لبيتر بينارت بعنوان «أزمة الصهيونية» (منشورات «التايمز» للكتب) دليلاً إضافياً على أنّ اليهود باتوا يدركون أنّ إسرائيل أخذت منحى خاطئاً ويجب أن تغيّر مسارها. ويرى بينارت ضرورة مقاطعة منتجات المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة، كما فعلت مجموعة متاجر كبرى في المملكة المتحدة تعدّ خامس أكبر بائع للأغذية. وفي حين تحتفل إسرائيل بالذكرى الرابعة والستين على تأسيسها، يبدو أنّ رياح التغيير تهبّ على ضباط أمنيين رفيعي المستوى وعلى بعض الداعمين الشديدين لها عبر البحار. ويجب أن يسرع الفلسطينيون والعالم العربي ككل للردّ بإيجابية على هذا التطوّر المرحّب به. * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط