برعاية وزير الإعلام... انطلاق ملتقى "صُنّاع التأثير ImpaQ" في الدرعية    «التضليل الإعلامي» في ورشة بمعرض كتاب جدة    أمير جازان يرعى افتتاح مهرجان شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية .. غدًا    "اليونسكو" ومؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية تحتفيان باليوم العالمي للغة العربية بباريس    الأطفال يصممون الأزياء في معرض جدة للكتاب 2024    الأخضر يستعيد خدمات البريكان وتمبكتي    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير دفاع أستراليا    سفير الاتحاد الأوروبي يهنئ المملكة باستضافة كأس العالم 2034    وزير الدفاع يرأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية    تقرير دولي: السعودية تتفوق في معالجة تحديات سوق العمل    وزير الدفاع ونظيره الأسترالي يبحثان العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال الدفاعي    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "الحفاظ على مقدرات الوطن والمرافق العامة من أهم عوامل تعزيز اللحمة الوطنية"    جامعة الأميرة نورة تُطلق معرض "إطار" لاستعراض مشاريع الطالبات في صناعة الأفلام    المركز العربي الأوربي يكرم الدكتور هادي اليامي    إمارة تزيل أكثر من 16 ألف تعدٍّ على أراضٍ حكومية    وزير الصناعة والثروة المعدنية يختتم زيارة رسمية إلى مصر    استقرار أسعار الذهب    ارفى تختتم برنامج "مراس" ودعم لثلاثة مشاريع فائزة من البرنامج    رئيس هيئة حقوق الإنسان تستعرض تطورات حقوق الإنسان في المملكة خلال الحوار المشترك السعودي الأوروبي    تجاوز صادرات «الخاص» 40 مليار ريال خلال الربع الثالث من 2024    الدكتوراه لرباب المعبي    رئيسة المفوضية الأوروبية: تكثيف الاتصالات مع النظام السوري الجديد    قاتل الجنرال الروسي.. أوزبكستاني جندته مخابرات أوكرانيا    منظمة التعاون الإسلامي ترحب بقرار الجمعية العامة حول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    تعليم الطائف يطلق مهرجان الإبل بمشاركة واسعة من الطلاب والطالبات    اللغة العربية.. هوية وثقافة وحياة    القيادة تهنئ أمير دولة قطر بذكرى اليوم الوطني لبلاده    محافظ محايل يلتقي مدير المرور الجديد    جمعية رتل بنجران تطلق التصفيات الاولية لجائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    الإحصاء تنشر إحصاءات المنشآت السياحية للربع الثاني 2024    كشف حقيقة الأجسام الطائرة في سماء نيوجيرسي    انطلاق نهائيات الجيل القادم لمحترفي التنس... اليم    مصرع 14 شخصا جراء زلزال فانواتو    الدفاع المدني : أمطار رعدية على معظم مناطق السعودية حتى السبت المقبل    سبعة آلاف عملية جراحية في مستشفى الملك سلمان    برئاسة الفيصل.. ألبانيا تحتضن اجتماعات الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي    «العليمي»: السعودية حريصة على تخفيف معاناة الشعب اليمني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    أبرز ملامح سلم رواتب الوظائف الهندسية    تدشين المخيم المجاني لجراحة العيون في المستشفى الميداني السعودي في سقطرى    استدراك ما أُهمل من تراثنا العمراني !    وزارة الثقافة تحتفي اليوم بإبداعات الثقافة العراقية في النسخة الثانية من مهرجان "بين ثقافتين"    محمد بن ناصر يدشّن برنامج "مبادرات المناطق"    إقامة دورة التصوير والمونتاج الميدانية لذوي الإعاقة السمعية في جازان    سعود بن بندر يطلع على خدمات "هبة لمتلازمة داون"    "معرض جدة للكتاب" يستحضر سيرة وعبق تاريخ كسوة الكعبة المشرفة    علامات الزواج من رجل يميل للعنف والعدوانية    استطلاع: تراجع الثقة في النظام القضائي الأمريكي    تفعيل خدمة البريد الدوائي المجاني في مستشفى الملك خالد    «هانا المرعبة».. مخاطر قلة النوم    5 فوائد للمشي إلى الخلف    الخليج يخوض ثلاث وديات في معسكر قطر    بحضور تركي آل الشيخ.. انطلاق أسبوع الملاكمة لنزال «Fury vs Usyk Reignited»    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    مُخ العبادة    الأمير فهد بن سلطان يستعرض مخطط تبوك وتيماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفلام تسخر من الواقع بمخيال وجود «المدن الفاضلة»
نشر في الحياة يوم 04 - 05 - 2012

إذا قبلنا ما يقترحه فيلم «لو هافر» الفرنسي وفيلما «تيرافيرما» الإيطالي و»لعب» السويدي، تكون قد حلّت كل قضايا المهاجرين في أوربا بطريقة إنسانية مثالية، بل وسيمهد حلها الى إنهاء المظالم وكل شكل من أشكال اللاعدالة فيها، وربما، إذا ما صدقنا السينما، سيحقق العالم قريباً حلم البشرية الطوباوي القديم في بناء مدنهم الفاضلة. وما دمنا في السينما لا بد ان نقول أن المفارقات هي من يولد الفكاهة فيها ويولّد أحياناً السخرية من الواقع نفسه، وفي الأفلام الثلاثة وبخاصة عند الفنلندي أكي كاروسماكي الكثير منها، بما يكفي لنسف فكرة إمكانية وجود عالم متسامح مع الغريب، يقبل بوجوده بل ويُضحي من أجله. انه يبدد بسخريته فكرة المجتمعات الأوروبية «الفاضلة» من أساسها ويبقي العلاقة في حدودها الواقعية حين يقترح مكاناً لا يتنتمي الى الواقع يُقَنّع فيه وجه رجل شرطة بقِناع الطَيّب المُضَحي بوظيفته وولائه الإداري من أجل طفل أفريقي جاء الى ميناء لو هافر الفرنسي ومنه أراد عبور البحر الى الضفة الأنكليزية الأخرى.
غياب
لا يختلف «لو هافر» إسلوبياً عن بقية أفلام كورسماكي إلا في درجة سخريته من الحياة نفسها حين يجعل كل ما هو واقعي ومحتمل الى نقيضه حتى الموت، يتراجع ويغيب عن المشهد العام في المرفأ الفرنسي الصغير حيث يعيش صباغ الأحذية مارسيل ماركس على الكفاف ولكن بسعادة متناهية مع زوجة تخفي مرضها الخبيث، حتى لا تقلقه، وحين يدخل الطفل المهاجر «ادريسا» على حياتهم لا يتغير شيء فيها سوى بعض إضافات من الحماسة يتشارك فيها الجميع حتى كلبه في محاولة لترويضها في مصلحة طفل مهاجر أسود تطارده الشرطة!. كل ما في الفيلم يتناقض مع الواقع التي تعيشه فرنسا وأوروبا على العموم، ليس في موقفها من المهاجرين بل من كل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية فعالم ميناء «لو هافر» ينتمي الى عالم خيالي حلمي، يريدنا كورسماكي العيش فيه خلال دقائق قليلة وبعد انتهائها علينا مرة أخرى أن نصحو على صوت واقع آخر، كل شيء فيه يسير عكس ما شاهدناه أمامنا على الشاشة.
«لعب» سويدي
على مستوى يبدو أقل إفراطاً في حلميته لكنه يحمل ذات الروح الساخرة من الواقع، ينهي المخرج السويدي روبين أوستلوند فيلمه «لعب» بمشهد يتشاجر فيه سويديون في الشارع اختلفوا في موقفهم من سلوك رجل أراد استرجاع هاتف وَلَده المحمول بالقوة من طفل مهاجر سرقه منه وأصر على الاحتفاظ به. مشهد واحد يختلف تماماً عن بقية تفاصيل الحكاية المحملة بإيماءات قاسية وتفاصيل مستفزة، تحاكم واقعاً جديداً تعيشه البلاد على أكثر من صعيد. فالناس، في شمال القارة يغرقون أكثر وأكثر في عالم مادي لدرجة لم يعد عندهم الوقت الكافي للالتفات الى حاجات أطفالهم الروحية فيضطرون لتعويضها بأخرى مادية، غالية، تغري الجزء الفقير الوافد باقتنائها دون توفرهم على شروط حق امتلاكها ولهذا ينشأ اليوم وفق رؤية أوستلوند تناقض بين مجموعتين، واحدة تملك المال والقوة وأخرى تلجأ الى «اللعب» والاستحواذ غير الشرعي، وتتجلى درجة وضوحها في سلوك الأطفال في كلا الجانبين.
سخرية أوستلوند من واقعه تجلت في مشهد نهائي أجبرنا على التفكير بما قبله، كونه بدا ووفق ما شاهدناه من تفاصيل حكاية الأطفال السويديين الذين أُخذوا كرهائن عند أطفال مهاجرين يسكنون في مناطق معزولة من مدينة غوتنبرغ، نشازاً وخارجاً عن سياق ما قبله، وكأنه به يريد إرجاعنا الى واقع عززته تفاصيل «لعب» مؤذ، تعابيره الحقيقية تلغي بل وتَسخَر من نقاء سريرة قلة دافعوا، في لحظة عابرة، عن طفل مهاجر وسرقاته «البريئة»!
«تيرافيرما» إيطالي
في عزلتها تظهر جزيرة لينوسا الواقعة بين صقلية وتونس وكأنها أرض مجهولة تقبل المقاسمة، لطبيعتها التي لا تعرف انتماء جغرافياً صارماً، فهي أقرب الى الأراضي العربية منها الى يابسة البلد الذي تحسب عليه: ايطاليا. أهلها يعيشون حالة كساد اقتصادي والهجرات الجماعية غير الشرعية القادمة من البحر تؤثر سلباً على السياحة فيها، ومع هذا وقف البحّار الشيخ أرنستو وحفيده في وجه السلطات الحكومية ورفض الانصياع الى مطالبها بترك مهاجري القوارب يغرقون أمام أعينهم دون تقديم المساعدة اليهم بذريعة أن اجراءات انتشالهم من البحر هي من مهمات شرطة خفر السواحل وما على البحارة في حالة مصادفتهم لشخص يغرق وسط أمواج البحر إلا الإعلان عنه. لقد وجد البحارة والصياديون في مطالب شرطتهم خرقاً لقانون البحر الذي نشأؤا عليه، والذي يرفض ترك أي إنسان في البحر أو حتى سفينة تائهة دون تقديم المساعدة اليها. لقد رفضت عائلة الشيخ، ومع كل أزمتها المالية وضغوط الشرطة عليها، تسليم المرأة الأفريقية ووليدها الجديد الى الشرطة وقررت التضحية بكل شيء في سبيل توصيلها الى مدينة أخرى وسط اليابسة الإيطالية.
عبر هذة الحبكة عالج المخرج إيمانويل كيرلس في فيلمه الجديد «تيرافيرما» ظاهرة الهجرات البشرية القادمة بحراً من الأراضي المقابلة والتي تقف ضدها السلطات الايطالية بالكامل، فيما الإيطاليون يضحون بالغالي والنفيس في سبيل حماية الواصلين اليهم وتوصيلهم الى بر الأمان. تبدو الحكاية، في أطار الواقع الذي تجري فيه، غير قابلة للتصديق، لكن بمستطاع المتخيل السينمائي أن يقربها وأن يجعل من أفرادها العاديين أبطالاً، وهذا ما أمل به كيرلس حين جعل من شخصياته الرئيسة ملائكة تختلف قليلاً في ما بينها ولكنها في النهاية تقر بحق هؤلاء في الوجود.
تفاصيل «تيرافيرما» تقرّبه من الوثائقي لطريقة شغله الشديدة الواقعية ولكون أحدى بطلات فيلمه شخصية حقيقية إريتيرية وصلت ضمن الناجين الى الساحل الإيطالي وهنا تكمن إحدى مفارقاته، ليس في ابتعاد قصته عن حقيقة ما يجري على سواحل الجنوب الأوربي المقابل للقارة الأفريقية، بل في مصدر الحكاية نفسها. والتي تدعو الى السخرية، من الواقع، كما جاء في ثنايا كلام المخرج إيمانويل كيرلس نفسه حين سُئل عن مصدر فكرة فيلمه، بخاصة أن ممثلته الرئيسية هي نفسها قد عاشت تجربة الوصول الى الساحل الإيطالي، قال «قبل الشروع في تصويره قبل سنتين، كنت وفريق عملي في صقلية نصور أحد مشاهد أفلامي القادمة، وفجأة سمعنا الناس يقولون أن مجموعة من المهاجرين الأفارقة قد لفظ البحر قاربهم ووصل الى الساحل.
لم يكن في انتظارهم لا خفر سواحل ولا الصليب الأحمر، كانوا ثمانين أريتيرياً لم ينج منهم سوى خمسة أشخاص فقط، بينهم المرأة التي قررت كتابة قصتها وفي ما بعد أسند دور المهاجرة غير الشرعية في الفيلم اليها». أمر يدعو للآسى والسخرية من الواقع المقدم في «تيرافوتا» فمن بين ثمانين مهاجراً لم يصل إلى اليابسة سوى خمسة، لم ينتشلهم أحد ولم يستقبلهم الإيطاليون بالترحاب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.