سعى المجلس العسكري الحاكم في مصر أمس إلى تأكيد التزامه تسليم السلطة للمدنيين، مبدياً استعداده لتنصيب الرئيس الجديد عقب إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية من دون الانتظار إلى 30 حزيران (يونيو) المقبل، بعد مقاطعة واسعة من الأحزاب الرئيسة والنواب المستقلين لاجتماع كان مقرراً مع رئيس المجلس المشير حسين طنطاوي لمناقشة ترتيبات تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد. وإثر مقاطعة أحزاب «النور» السلفي و «الوفد» و «غد الثورة» و «البناء والتنمية» الاجتماع أمس وانسحاب رئيس «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» محمد أبو الغار، على خلفية «مجزرة العباسية» التي سقط فيها عشرات الضحايا من المعتصمين في محيط وزارة الدفاع اثر هجوم مسلحين عليهم، عقد نائب رئيس المجلس العسكري رئيس أركان الجيش الفريق سامي عنان اجتماعاً مع أحزاب صغيرة، ناقش سبل مساعدة القوى السياسية العسكر في فض الاعتصام، وهو ما دعا أبو الغار إلى الانسحاب. وعقد قادة حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين»، اجتماعاً مع قادة الأحزاب التي قاطعت اجتماع المجلس العسكري، قبل أن يخرجوا ليشنوا هجوماً على المجتمعين مع جنرالات الجيش الذين حملوهم مسؤولية إراقة الدماء في العباسية وطالبوا بإطاحة حكومة كمال الجنزوري. وأفيد بأن اجتماع المجلس العسكري الذي برر مسؤول عسكري غياب طنطاوي عنه بانشغال الأخير بلقاء رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي السيناتور جون كيري، حضره ممثلو أحزاب «الإصلاح والتنمية» و «التجمع» و «المصريين الأحرار»، إضافة إلى نواب، وركز البحث على معالجة أزمة العباسية. لكن جنرالات الجيش ألقوا بالكرة في ملعب الأحزاب الحاضرة، فطالبوها بالتدخل لدى المعتصمين لفض الاعتصام أو نقله إلى ميدان التحرير. وعلم أيضاً أن عنان تبرأ خلال الاجتماع من المسؤولية عن الهجوم الذي شنه مسلحون استخدموا أسلحة نارية وقنابل مسيلة للدموع فيما التزم الجيش «الحياد». وبحسب البيان الختامي للاجتماع، أعلن عنان أن المجلس يبحث في تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب في حال فوزه بالجولة الأولى نهاية الشهر بعد أداء اليمين الدستورية مباشرة. ونقل البيان عن عنان قوله إن «المجلس ينتظر بفارغ الصبر إجراء الانتخابات الرئاسية». وأكد أنه «لا تأجيل للانتخابات» التي يبدأ تصويت المغتربين فيها بعد ثمانية أيام فيما تنطلق مرحلتها الأولى داخل البلاد في 23 الشهر الجاري. ورأى أن المجلس العسكري «أصبح شماعة للكثير من الأحداث، وينتظر بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر تسليم البلاد». وأكد أن «اللجوء إلى العنف غير وارد بأي حال من الأحوال في التعامل مع التظاهرات». ونفى علاقة الجيش ب «عمليات البلطجة التي تجري في العباسية»، معرباً عن إدانته لها «بكل قوة». وعن قضية الدستور، قال عنان إنها «قضية الشعب والكرة الآن في مجلس الشعب (البرلمان)، وسنظل ندافع عن الشعب حتى اللحظة الأخيرة». وأعلن رفض المجلس العسكري إرسال أية قوات عسكرية إلى العباسية خوفاً من الاحتكاكات. وقال إن «هناك من يسعى إلى جرنا للصدام، إلا أننا لن نلجأ إلى العنف أبداً مع الشعب المصري، وأبوابنا مفتوحة للحوار مع الجميع». وقال رئيس حزب «الإصلاح والتنمية» محمد عصمت السادات إن «قادة المجلس العسكري طالبونا بالتحاور مع المعتصمين في العباسية، ومحاولة إقناعهم بفض الاعتصام، أو نقله إلى ميدان التحرير». وأشار إلى أن الجنرالات «اعتبروا أن الاعتصام في محيط وزارة الدفاع محاولة لجر الجيش إلى الاحتكاك بالمعتصمين، ونحن لا نريد الدخول في مواجهات مع أحد». أما رئيس «المصري الديموقراطي الاجتماعي» فعزا انسحابه بعد دقائق من بدء الاجتماع إلى أن «الاجتماع لم تكن لديه أجندة واضحة، وتصورنا أننا ذاهبون لمناقشة أزمة الدستور، لكن بعد وصولنا إلى هناك أفيد بأن الاجتماع مخصص لمناقشة أحداث العباسية». ولفت إلى أنه «بمجرد بدء الاجتماع، تطرق قادة الجيش إلى ضرورة تدخلنا لمحاولة فض الاعتصام، فقلت لهم إن أحزاباً رئيسة في الشارع غير موجودة في الاجتماع، لذلك يصبح الاجتماع غير ذي جدوى، وأعلنت انسحابي». وشنت الأحزاب التي قاطعت الاجتماع هجوماً حاداً على المشاركين فيه، وحملت العسكر مسؤولية «المذبحة». وقال نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» عصام العريان إنهم لم يشاركوا في اجتماع المجلس العسكري «لأنه لا يمكن الجلوس على المائدة بينما تسال الدماء الطاهرة على بعد أمتار من مكان الاجتماع ولا يقوم المجلس العسكري بواجبه في حماية التظاهر السلمي وترك كل هذه الجرائم على مرأى ومسمع من الجميع». ورأى أن «الاجتماع لم تكن له جدوى خصوصاً أن جميع القوى السياسية ملتزمة ما تم التوافق عليه في شأن الجمعية التأسيسية، والشعب المصري قادر على حماية ثورته وتحقيق أهدافها وضمان تسليم السلطة وفق إرادته وعلى جميع الأطراف أن تستمع إليه». واتفق رئيس حزب «غد الثورة» أيمن نور مع حديث العريان، مؤكداً أنه «لا يمكن أن تكون القوى السياسية هناك في الاجتماع في وقت تسيل هذه الدماء وعلامات الاستفهام حول السبب فيها». وطالب المجلس العسكري باعتذار رسمي «لتأخره الشديد في التعامل مع دماء تسيل على بعد أمتار قليلة من مقر وزارة الدفاع». وأكد أن «القوى الوطنية ستظل وحدة واحدة تلتزم بما تم الاتفاق عليه ولن يتدخل أحد بينها لفرض رأيه». وأكد رئيس المكتب السياسي لحزب «البناء والتنمية» صفوت عبدالغني أن حزبه «لا يقبل أن يجتمع مع المجلس العسكري في ظل تلك المذابح والدماء»، محملاً المجلس «المسؤولية الكاملة عن هذه الأحداث». وحذر من اتخاذ هذه الأحداث «ذريعة لتأجيل تسليم السلطة أو إلغائها»، مشيراً إلى أنها «قد تكون مدبرة لهذا الهدف، ومعنى ذلك اندلاع ثورة حقيقية جديدة». وأكد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «الحضارة» محمد الصاوي أن «القوى السياسية على قلب رجل واحد لمواجهة أي محاولة للعبث بالجدول الزمني وخطة تسليم السلطة ولن ينجح أحد في وقف مسيرة التحول الديموقراطي». وأكد ممثل حزب «الوسط» عمرو فاروق على تضامن حزبه مع المعتصمين «لأنه حق مكفول للجميع في أي مكان وزمان». وأضاف أن «المجلس العسكري يريد تمرير إعلان دستوري لا تتفق القوى السياسية علىه». وحمل وكيل لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية وحيد عبدالمجيد المجلس العسكري «المسؤولية الكاملة عن الأحداث»، مطالباً ب «ضرورة إلغاء المادة 28 من قانون الانتخابات الرئاسية» الخاصة بتحصين قرارات اللجنة ضد القضاء. وأضاف أنه «لا يوجد رجل رشيد في المجلس العسكري يدرك خطر المرحلة»، مشدداً على أنهم «يريدون أن يستمروا في السلطة وإغراق البلد في بحر من الدماء». وانضم حزب «الوفد» أمس إلى المطالبين بإطاحة حكومة الجنزوري. وحمل المجلس العسكري «المسؤولية عما تشهده البلاد من أحداث بصفته المسؤول الأول عن إدارة أمور البلاد».