اختلفت آراء المثقفين حول ما قدم من برامج ومسلسلات في رمضان، إلا أنهم اتفقوا تقريباً على طغيان الطابع الاستهلاكي، مشيرين إلى غياب الأفكار الجديدة. وقال هؤلاء المثقفين في استطلاع ل«الحياة» إن العمل الثقافي لا يزال بعيداً عن التلفزيون. وأوضح القاص والكاتب فراس عالم أنه لم يتابع طوال رمضان سوى حلقتين عابرتين من برنامج «خواطر الشقيري» أثارتا الجدل، مشيراً إلى أنه ومن دون الخوض في التفاصيل «تجد أن الطابع الاستهلاكي هو الطاغي على البرامج والمسلسلات، مع ميل مستفز للتكرار والتمسح بثيمات مستهلكة، وما زال العمل الثقافي بعيداً جداً عن التلفزيون، وعن إنتاج برنامج يجمع بين العمق والشعبية». وترى القاصة والكاتبة إيمان الأمير أن هناك برامج «ارتقت بالمضمون كقيمة ومادة، وظهرت لنا بشكل احترافي، وراعت خصوصية الشهر الفضيل، وتركت في نفوسنا أثراً جيداً، ونالت رضانا دون سواها. ربما لأنها أضافت لمسة من الروحانية بما يتناسب مع رمضان، وناقشت قضايا تهم فئات المجتمع كافة، من دون تكلف ورقابة رتيبة»، مشيرة إلى برامج مثل «الصالون الثقافي» للدكتور صالح المحمود و«ياهلا» لعلي العلياني و«في الصميم» للمديفر. وقالت: «المثقف على درجة كبيرة من الوعي، فهو يقيم ويقول كلمته من دون معوقات، وحين يلامس برنامجاً ما أو أية مادة رؤى المثقف وحاجاته فهذا مؤشر نجاح للبرنامج والقناة، المثقف السعودي اليوم عليه أن يغربل بطريقته كل ما احتل المشهد الرمضاني من رداءة واستنساخ واقتباس ونمطية». وقال القاص والروائي فوزي المطرفي: «لم أتابع بشكل دقيق ومتواصل أي مسلسل أو برنامج في هذا الشهر الكريم، وهو الأمر الذي يعني صعوبة تقديم رؤية متوازنة فضلاً عن أن تكون نقدية، لكن إن جاز التعليق إجمالاً فليس مما رأيت من حلقات متفاوتة لبرامج ما بعد المغرب، مثل واي فاي وخميس بن جمعة ومسلسل حسن عسيري، أقول ليس فيما شاهدت إلا شبه حضور للشخصية النمطية، التي تعيد نكتة الأعوام الماضية بطريقة فاترة مع فارق الديكور الجديد بالطبع»، لافتاً إلى أن هذا ما يقدمه خالد سامي في مسلسل «ديليفري»: «ومن ناحية الفكرة هناك لمسة عصرية واضحة، لكن الأداء التمثيلي لفريق العمل فيما شاهدت من حلقات بسيط ومتواضع جداً». أوضح المخرج فطيس بقنة أن المثقف لا يبحث إلا عن منتج يرتقي إلى مستوى تطلعاته الثقافية، فإن كان السؤال عن البرامج التي تهم المثقف، لا شك إنها مغيبه نوعاً ما، لأن معظم البرامج التي تعرض إما أن تكون دينية وهذه البرامج لها رسالة محدده التوجيه، مشيراً إلى أن دور المثقف يقتصر على المراقبة، «وفي رأيي يعرف المثقف أن البرامج الحوارية هي صلب اهتماماته لا للاستفادة، ولكن بهدف قراءة فكر الآخرين من خلال هذه البرامج». ولفت إلى أنه لم يتابع من المسلسلات سوى «صاحب السعادة» لعادل إمام و«دهشة» ليحيى الفخراني. أما عن البرامج الحوارية فتوقف عند «في الصميم»، واعتبره من البرامج الجيدة، «ومقدمه عبدالله المديفر كان ناجحاً في اختياره للضيوف، وإعداده الجيد للمواضيع التي تطرح، أما برامج المسابقات فلا جديد في ذلك، وفي الأخير الكل اجتهد وقدم ما لديه، ولكن تختلف مستويات الإنتاج والأفكار». وقال الشاعر عبدالله بيلا إن التلفاز بشكل عام كمنظومة ثقافية فكرية تربوية شاملة «تطور تطوراً هائلاً في الأعوام الأخيرة، ويبدو أن التلفاز قد أصبح هو الموجه الأول لبوصلة التفكير لدى غالبية الناس، خاصة في البيئة الخليجية، ومع تنامي هذا التطور في شقه الشكلي، وتزايد القنوات المختلفة بشكل جنوني يصعب السيطرة عليه، تنامت تلقائياً البرامج الحوارية والرياضية والثقافية والأعمال الدرامية والفنية بشكل كبير أيضاً»، معبراً عن أسفه أن غالبية هذه البرامج والأعمال «تصب في خانة التسطيح والتجهيل ونسف القيم والأخلاق المجتمعية، ومحاولة إنتاج أجيال مسخة لا تتصل إلى تراثها بجذور، ولا تحمل من النضج الفكري ما يجعلها مؤهلة للمضي نحو المستقبل». وتطرق بيلا إلى برامج مثل «روافد» الذي يقدمه أحمد علي الزين، معتبراً إياه من أهم البرامج «التي كنت مشدوداً إليها، كون البرنامج يحاور رموزاً أدبية وفنية مكتملة، وكون المحاور نفسه أديباً وشاعراً يعرف قيمة الضيوف الذين يحاورهم». وقال إن المثقف «فرد في نسيج اجتماعي هائل، ولا يستطيع وإن حاول ألا يتأثر بالمحيط الإعلامي العام، ولكنه قادر متى ما أراد على حمل راية التأثير أيضاً، ويصبح فاعلاً حقيقياً، وربما تكون ندرة البرامج الثقافية التي تعنى بالأدب والفكر مما يزهد المثقف عن المتابعة الفاعلة للإعلام وبرامجه المختلفة».