إذا كانت مهمة الشعر الدعاية والإعلان والتعبير عن قضايا الشعوب وتثويرها ومطالبة الشاعر بما تريده، فإن هذه المهمة اليوم تكفَّلت بها وسائط أخرى متعددة ولم تعد تعني الشعر العربي الجديد أياً من هذه المهمات فالشعر العصري انكفأ على نفسه وتشرنق الشاعر على ذاته وأصبحت همومه اليومية وما يشعر به تجاه الحياة وتحولاتها السريعة محوراً تدور حوله القصائد، وبالطريقة التي يختارها مساراً لموهبته الشعرية، وهذا ما نجده في تجربة الشاعر عبدالرحمن الشهري الذي أنصَفَ قصيدة النثر في ديوانه الجديد «لسبب لا يعرفه» الصادر حديثاً عن دار الانتشار العربي في بيروت، ودشنه مساء الاثنين الماضي في جمعية الثقافة والفنون في جدة، وتأتي في أثناء النصوص التقاطاته معبرةً عن هواجس ومنعطفات راكمها الزمن في داخل الشاعر واستطاع اصطيادها فيما بعد، لتَخرج لنا في مجموعة شعرية كاملة فنجده يقول في نص استراحة مثلاً: «الموت الذي تخطاه هذه المرة، مشفقاً على أمه المكلومة وأبيه الطاعن في السن لن يتخطاه في المرة المقبلة ولن يتعامى عنه فما يفعله الموت في بعض الأحيان ليس شفقة منه بالضبط، ولكنها استراحة قاتل بين جثتين». ومن هنا نستطيع أن نثمن حجم الألم والمأساة المتراكمة في داخل هذا الشاعر الشاب، وكيفية تماسّه مع الطبيعة وما وراءها وإخراجها من حال السكون إلى فضاء الإبداع وبث الشعر بين جوانحها. ويعترف: «إنني أمثل نفسي وما أشعر به تجاه الأشياء من حولي، ولكم أن تتصفحوا الكتاب بما فيه من فرح وحزن ولي أن أستمع». إنها إذاً مأساته يصنعها لنستمتع بها؛ ففي الإهداء مثلاً يقول: «وماتت عائشة لأن الموت لا ينبغي أن يعود إلى السماء بلا راكب جديد». الشهري، الذي تناغمت قصائده مع نغمات العود والكمان والناي في حفلة التدشين، قالت عنه الدكتورة أميرة كشغري في ورقتها عن الديوان: «إن حقولاً دلالية منوعة كجدلية الموت والحياة والحنين إلى الماضي جاءت مركزة على مجمل نصوص المجموعة، ولم تتكئ شعرية الشهري على الأدوات التقليدية في كتابة القصيدة وأن قصيدته تخرج من أرض بكر». في حين يعترف مسفر الغامدي في ورقته عن الكتاب بتجاوز عبدالرحمن الشهري شعراء جيله «في نصوصه الجديدة وانحيازه للمستقبل وتحايله على وسائل القصيدة التقليدية». وأكد مدير الأمسية الإعلامي والشاعر سعد زهير أن حساسية الشهري مع الأشياء من حوله «تبرهن لنا مدى تعاطيه مع اليومي والمعاش، والذي استطاع أن ينقله لنا بكفاءة شعرية رفيعة منذ ديوانه الأول «أسمر كَرِغيف». ويقول الشاعر والإعلامي عبده قزان إن قصيدة عبدالرحمن «يعرفها الجميع حتى لو لم يكتب اسمه عليها، وهذا دليل على تفرده في كتابة الشعر». ويرى الشاعر عيد الخميسي أن صوت عبدالرحمن الشعري «جميل وجدير بالقراءة والحب». وأكد الشاعر والكاتب خالد قماش «أنني آمنت بقصيدة النثر بعد قراءتي لتجربة عبدالرحمن الجديدة، فهو استطاع أن يبهجنا بها وبإلقائه الهادي والحميم». ويجد خالد المحاميد في قصيدة عبدالرحمن «الرجل والمرأة والابن وكلهم يحضر بصورة تعبر عن فسيولوجيا فطرية، نقلها الشهري بطريقة الشاعر البصير ويتضح ذلك جلياً في قصيدته الضباب». وقال مدير جمعية الثقافة والفنون في جدة عبدالله التعزي: «تأتي هذه الأمسية امتداداً لخطة المنتدى الثقافي في الجمعية وحتى ننوع في برامجنا لهذا العام ما بين الفنون والآداب والموسيقى، واستضافة عدد من المبدعين والموهوبين، وفي هذه الليلة نستضيف الشاعر عبدالرحمن الشهري صاحب الحضور الشعري الجميل». وأضافت أنامل الموسيقيين سعيد باقار وحسن حمدان وأحمد فلمبان بُعداً آخَرَ على قصائد الشهري، وصفق الجمهور غير مرة على أدائهم البديع.