الخبر الذي نشر حول القبض على مواطنين أحدهما وكيل نيابة والآخر قاضٍ في مدينة عربية وتوجيه تهمة الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للقاصرات، يؤكد أن بعض مواطنينا يذهبون خارج البلاد بذهنية التحريم والتحليل لا بذهنية القانون والنظام، فأصبحوا يجيزون لأنفسهم ممارسات ضد القانون طالما أنها في ظنهم ليست بحرام. هؤلاء لم يذهبوا كي يحيوا سنّة نبوية بزواج مباح وتحقيق أهداف الزواج العليا كما يروج المدافعون عن الزواج بالقاصرات، بل ذهبوا ليتمتعوا بنساء. ولكنهم لا يريدون نساء كاملات التكوين لمتعة قصيرة بل يريدون طفلات يتمتعون بتعذيبهن ليالي معدودات هي بالنسبة لهم ليلة من المتعة الحلال وبعقد مبني على زواج بنية الطلاق غير المعلنة، يكتمها المرء في نفسه ولو لليال. لا أحد يمتلك قلباً يجيز مثل هذا المشهد، ولا أن يجيز حق والد في أن يزوج طفلة في الثامنة بشيخ في الثمانين، لكن من يعترض على هذه الزيجات فإنه - من وجهة نظرهم - يحرّم حلالاً. الغريب أن زواج القاصرات يدخل من باب عريض هو «تحريم حلال» بينما يتم السكوت عن بقية التنظيمات التي منعت حلالاً اقتضته المصلحة والعصر الجديد وعلى رأسها الزواج من أجنبيات، فابن الخال لا يستطيع أن يتزوج من ابنة عمه لو أنها وجدت خارج حدود بلاده لأنها وجدت ضمن التنظيمات الحديثة للدولة، كما منعت المشتغلين بمهن معينة منعاً باتاً الزواج بغير المواطنات. التنظيمات المدنية الحديثة التي تتبع مصالح متغيرة تنظم حلالاً بتقييده، وهي لا تمنعه لأنه حرام أو حلال بل لأنه تنظيم اقتضته المصلحة أو الضرورة الجديدة، يمتثل لها المواطن بحكم موقعه الجديد كمنتسب لهذه الدولة، ولو تعارض مع مصلحته الشخصية فإن من حقه الاعتراض عند القضاء أو الحصول على استثناء إن اقتضت المصلحة ذلك، فلماذا لا ينطبق هذا على زواج القاصرات؟ لا أحتاج إلى أن أستعين بقراءات فقهية متعددة تقر بأن تنظيم هذا الأمر أصبح حاجة قصوى وليس خياراً، وسأكتفي بآراء من هيئة كبار العلماء نفسها فبعضهم لا يتفقون مع ترك هذا الأمر مفتوحاً أمام من أراد الاتجار ببناته، وهناك من يرفض بشدة زواج الصغيرات بمقتضى حال اليوم خوفاً من أن تهدد الفتاة الصغيرة بقتل نفسها لو زُوِّجت من فلان أو أجبرت عليه، مثل الشيخ ابن عثيمين. لا يحتاج المرء اليوم وجهة نظر فقهية كي يفهم أن ابنته الصغيرة بمقاييس اليوم بالكاد تتحمل مسؤولية حل واجباتها، ولا تصلح لزواج بمعايير اليوم وما يترتب عليه من حمل وولادة تودِي بحياتها، ولسنا بحاجة لأن ننتظر قوانين دولية تجبرنا على الالتزام بها لأنها ترى أن تزويجَ الصغيرات للتمتع بأجسادهن جريمةٌ بمفهوم العصر، ولو انتظرنا حتى يفرضها الخارج علينا فإن هذا والله هو العار والخيبة. [email protected]