مع وصول رياح «الربيع العربي» إلى دمشق، خلطت أوراق جهات تلفزيونية عدة، بداية من شركات الإنتاج وصولاً إلى النجوم، وانتهاءً بالتغطية الفضائية للحدث. وفي هذا السياق، تغير الكثير من المعطيات على المستوى الدرامي، وكان للنجوم السوريين الكثير من المواقف المتعارضة التي قسمت الصف إلى جبهتين (معارضة ومؤيدة)، في حين فضّل عدد كبير الصمت، وشهدت الأشهر العشرة من الثورة السورية تغيرات جوهرية في طريقة تعاطي التلفزيونات الرسمية وشبه الرسمية وحتى المعارضة مع الحراك الداخلي. مع بداية الأحداث استمرت صناعة الدراما على حالها، خصوصاً أن اندلاع الأحداث جاء في منتصف الإعداد لموسم 2011، واستمرت معظم الأعمال بالتصوير، وعرضت في شهر رمضان في شكل طبيعي، من دون أن يظهر مدى تأثر هذه الصناعة بالحراك الداخلي. ولكن مع انتهاء الموسم الرمضاني في آب (أغسطس) الماضي، اتضحت التأثيرات التي طاولت هذه الصناعة في شكل جليّ. وعلى رغم إعلان عدد كبير من شركات الإنتاج نيته تقديم أعمال لموسم 2012، وصل عددها إلى أكثر من أربعين عملاً، لم تعط هذه الشركات إشارة البدء لأي من أعمالها، باستثناء عملين من إنتاج القطاع العام («أنت هنا» و «المفتاح»)، وعمل واحد من إنتاج القطاع الخاص («بنات العيلة») متمثلاً بشركة «كلاكيت». ومن المتوقع أن يبدأ تصوير مسلسل «المصابيح الزرق» من إنتاج القطاع العام أيضاً، ومسلسل «ست كاز» من إنتاج «سورية الدولية»، في مطلع العام، لتصبح الحصيلة خمسة أعمال يضاف إليها مسلسل «الانفجار» الذي يستكمل تصويره بعدما توقف في الموسم الماضي. وقد يضاف إلى هذا العدد عملان أو ثلاثة على أبعد تقدير -بحسب بعض المراقبين-، وذلك نتيجة للأحداث الداخلية، وخوفاً من العقوبات الاقتصادية العربية المتوقعة والتي قد تطاول صناعة الدراما. النجوم على الجبهة وعلى مستوى النجوم، بدا تأثر هؤلاء بالأحداث الجارية جلياً في الأشهر الأربعة الأولى، بخاصة من جانب المؤيدين للنظام، إذ وجّهت تصريحاتهم لدعمه والتأكيد على قوته، واتخذوا في شكل خاص، وسائل الإعلام المحلية منبراً لإطلالاتهم، في حين كان ظهورهم على وسائل الإعلام العربية والعالمية قليلاً ونادراً، وكان أبرزهم سلاف فواخرجي، دريد لحام، أيمن زيدان ورفيق سبيعي. في المقابل، اتضحت تصريحات بعض المعارضين عبر الوسائل الإعلامية العربية والعالمية، الداعمة للحراك الشعبي، والمؤيدة للثورة السورية، في شكل كبير، وتنوعت بين المقيمين في الداخل والخارج، وكان أبرزهم مي سكاف، محمد آل رشي، فارس الحلو، وريما فليحان، فيما اتخذ الجزء الأكبر موقفاً صامتاً من الأحداث، وأشار هذا الجزء في مختلف تصريحاته الإعلامية الى أنه مختص بالفن فقط، و «لا يفهم بالسياسة، ويترك التحدث في هذه الأمور لأصحابها»، على حد تعبير بعضهم، ومنهم بسام كوسا، رشا شربتجي، سلوم حداد، سلافة معمار، ومنى واصف. لكن معظم هذه التصريحات والمواقف تراجعت في شكل كبير واختفت في بعض الأحيان، مع تزايد الاحتجاجات الداخلية، وتصاعد الأزمة. وسجلت الأشهر الأخيرة هجرة عدد من نجوم سورية إلى مصر ولبنان والخليج، بعضهم بحثاً عن عمل في ظل الأزمة الحادة التي تعانيها الدراما السورية، وبعضهم الآخر خوفاً من رد فعل النظام على تصريحاتهم المعارضة. الفضاء الرسمي أما على مستوى الفضاء، وطريقة تغطية الأحداث الداخلية السورية على المستوى الرسمي وشبه الرسمي، فتجلّت مجموعة نقاط مثيرة للتساؤل يمكن أن نوجز بعضها في ما يلي: البداية من قناة «سورية دراما» التي تحولت في إحدى الفترات من قناة درامية إلى قناة إخبارية، وانضمت إلى الفضائية السورية في بثها، قبل ان تعود في ما بعد إلى بثها المعتاد. ومن جهتها، تخبطت القناة الفضائية في شكل كبير في تغطية الأحداث، فعمدت إلى التحول إلى قناة إخبارية متخصصة وأوقفت معظم برامجها حيناً، وفي حين آخر أعادت برامجها بشكل كامل ونسيت ما يحدث في الشارع، قبل ان تدمج الحالتين السابقتين فأبقت على بعض برامجها، وأفردت المجال لعدد من البرامج السياسية المتخصصة. وكان واضحاً تعثر القناة الثالثة الرسمية (الإخبارية السورية) بخاصة على مستوى البث فأبقت على صفتها التجريبية -حتى الآن- على رغم أن انطلاقها سبق بداية الحراك الشعبي بشهر واحد، أي أن عمرها يزيد عن 11 شهراً. اما تغطيتها للأحداث فبدت قاصرة، بخاصةً أنها في بعض الأوقات ركّزت على ما يحدث في العالم العربي (مصر وليبيا واليمن)، والعالم (أحداث وول ستريت ولندن) ونسيت الحدث الداخلي، كما لم تعطه وقته الكافي من التغطية. واتفقت قناة «الدنيا» شبه الرسمية مع القنوات الرسمية الثلاث في تخبطها، وفوضت نفسها مهمة الخط الدفاعي الأول للنظام السوري، وجندت غالبية العاملين فيها للتحول إلى الشأن السياسي ومتابعة الأخبار، وإن كان بطريقة غير حرفية، وبعيدة كل البعد من الصدقية، كما اكد المراقبون، فيما كانت أخطاؤها أكثر بروزاً ووضوحاً للمشاهد. على الضفة الأخرى، برز عدد من القنوات الفضائية السورية المعارضة، وكان أبرزها قناة «المشرق» التي تحولت مع بداية الأحداث من قناة منوعة، إلى قناة إخبارية متخصصة، كما برزت قناة «بردى» وقناة «سورية الشعب»... وكلها تتبنى وجهة نظر المعارضة، وإن اختلفت التيارات التي تمثلها بين الإخوان المسلمين، وإعلان دمشق، وغيرهما. وأُخذ على هذه القنوات في تغطيتها للأحداث في الأشهر العشرة الماضية غياب الحرفية، وإن عزا بعضهم ذلك إلى قلة الدعم المالي. كما عانت هذه القنوات من التفرد في الرأي في بعض الأحيان، وتقديم بعض الأخبار غير الموثوقة، وغير المؤكدة، فيما شهدت قناة «المشرق» تطوراً كبيراً في الأشهر الأخيرة على المستوى الفني والتقني.