صحون طائرة حطّت فوق سطح محطة تلفزيونية، القوى الأمنية تقبض على أسامة بن لادن في منزل رئيس حكومة سابق، الزعماء اتفقوا في لبنان والأزمة السياسية حلّت... كل هذا لا يحصل إلا في الأول من نيسان. يدخل الإعلام طرفاً في «تغطية» جزء من يوم «كذبة نيسان». تطلّ المذيعة، تعلن عن «الحدث» في شكل جدّي، وتترك المشاهدين في صدمة لا تلبث أن ينتهي مفعولها بانتهاء نشرة الأخبار. الجزء الآخر من مسلسل «كذبة نيسان» يتكفل به اللبنانيون... و«المقالب» ترسم دائماً على الوجوه معالم الاندهاش، فرحاً أو حزناً. من ينتظر الوظيفة اللائقة منذ شهور وسنوات، يسمع بالخبر السعيد في هذا اليوم بالذات، ومن يحلم بالسفر تتحقق أمنيته بتلقيه اتصالاً هاتفياً من صديق «تلاعب» بأوتار حنجرته، وبلحظات قد يصبح معاش الوظيفة مضاعفاً، لأن ربّ العمل قرر أن يدخل شريكاً في كذبة نيسان، ومغرومة تنهار أرضاً بعدما أبلغها حبيبها خبر انفصاله عنها وزواجه بأخرى. يوم واحد في السنة، أربع وعشرون ساعة من الكذب «المدروس»، لكن الكذبة لا تطول عادة أكثر من ساعات هذا النهار الاستثنائي... بالنسبة إلى كثيرين من اللبنانيين «كذبة أول نيسان»، هي فشّة خلق من واقع رتيب يعجز «بانتظام» عن تحقيق ما نرغب به لأنفسنا، أو لغيرنا... وهي قد تكون كذبة نخاف فعلاً من حدوثها، فيتم تمثيلها و«إخراجها» لثوان أو لدقائق أو لساعات، ودائماً هناك ضحية «وهمية». والأهم أنك تجد دائماً من يعترف بكذبته على الفور من دون أي ضغط، خلافاً ل«مبادئ» من يحترف الكذب على مدى 365 يوماً. في بلد تكثر فيه الإشاعات والأحداث غير المتوقعة، لا تضفي «كذبة نيسان» سوى نكهة مميزة إلى طبق الكذب المتواصل الذي يعيشه يومياً... وإن من غير قصد. اللائحة تطول، ويندر أن يمر يوم من دون «كذبة بيضاء». لكن مخزون الأول من نيسان يفيض إلى حد تحوّل المقالب إلى كارثة أحياناً، إذا كانت الكذبة من النوع الثقيل الذي يصعب استيعاب نتائجه. وفي زمن الانتخابات، تحوّلت أيام المرشحين إلى كذبة كبيرة، لن تصبح واقعاً إلا عندما يسمع المرشح المحظوظ رسمياً خبر ضمّه إلى اللائحة. يقول أحد المرشحين: «أخاف أن يحسم ترشيحي في هذا اليوم... ستكون مزحة ثقيلة أنا في غنى عنها». يجمع اللبنانيون على أن كل يوم هو أول نيسان... «عروض» الكذب، برأيهم، من روتين يومياتهم. الفارق الوحيد أنه في هذا اليوم، تكثر الاعترافات بالكذب التي لا يتجرأ أحد على القيام بها في بقية أيام السنة. في عام 2009 «كذبة أول نيسان» التي يحاول البعض ترويجها أصعب من أن تصدق: قوى 8 و 14 آذار قررت توحيد التاريخين في تاريخ واحد... يوم «عيد العشاق». أما الكذبة الأكبر، فهي أن سياسييّ لبنان اكتفوا بهذا المقدار من الكذب على قواعدهم الشعبية، وقرروا من الآن وصاعداً التعاطي بكل شفافية وصدق مع من أوصلهم إلى كرسي الزعامة.