رعى الرئيس اللبناني ميشال سليمان أمس، احتفالاً حاشداً أقامته «مؤسسة فؤاد شهاب» إحياء لذكرى رحيل هذا الرئيس السابق، في قصر الأونيسكو في بيروت. وتحدث كل من الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني، الوزير السابق جان عبيد، مؤلف كتاب «فؤاد شهاب» ستيفان مالساني ورئيس المؤسسة شفيق محرم. واستذكر الحسيني بيان شهاب الشهير الذي أعلن فيه عام 1970 قراره ألا يكون مرشحاً للرئاسة، وقال إنه عرف فؤاد شهاب «سياسياً في الاختلاف في الوسائل والاتفاق على الأهداف». واقتبس فقرة من كلام للراحل في سبعينات القرن الماضي قال فيها: «إن المؤسسات السياسية اللبنانية والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي، لم تعد، في اعتقادي، تشكل أداة صالحة للنهوض بلبنان... في جميع الميادين، ذلك أن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعياً وراء فعالية الحكم، وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها أحداث عابرة وموقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات، كل ذلك لا يُفسح في المجال للقيام بعمل جدي على الصعيد الوطني، إن الغاية من هذا العمل الجدي هي الوصول إلى تركيز ديموقراطية برلمانية أصيلة صحيحة ومستقرة، وإلى إلغاء الاحتكارات ليتوافر العيش الكريم والحياة الفضلى للبنانيين في إطار نظام اقتصادي حر سليم، يتيح سُبل العمل وتكافؤ الفرص للمواطنين، بحيث تتأمن للجميع الإفادة من عطاءات الديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية الحق. إن الاتصالات الكثيرة التي أجريتها والدراسات التي قمت بها عززت قناعتي بأن البلاد ليست مهيأة بعد، ولا معدة لتقبّل تحولات لا يمكنني تصور اعتمادها إلّا في إطار احترام الشرعية والحريات الأساسية التي طالما تمسكت بها». وقال: «يفصلنا عن فؤاد شهاب وعما كان عليه الوضع الواقعي والدستوري الكثير مما هو بالغ السوء والكثير مما فيه الأمل». واعتبر الحسيني أن «لا إصلاح إلا بثورة مدنية ولا إصلاح إلا بانتخاب جمعية تأسيسية تمثل جميع اللبنانيين بميثاق حضاري ودستور دولة مدنية، جمعية تمثل جميع اللبنانيين لا الأغنياء وحسب، الأغنياء بمال الدول الأجنبية وبالمال العام المنهوب». ودعا الحسيني إلى رفض ما يعد لكم من قانون انتخاب، أو مما يعدّ لكم عبر المناورات للإبقاء على هذا القانون». واختتم بالدعوة «إلى ثورة يكون فيها اللبنانيون من كرام الناس». واستعاد عبيد آخر لقاء له مع الراحل صبيحة 25 نيسان (أبريل) 1973 قبل «أن يسلم الروح بساعات قليلة، وبدا لي كئيباً ومتشائماً، خصوصاً أن الأزمة السياسية الكبرى شرعت تُفلت من عقالها بعد الغارة الإسرائيلية على بيروت واغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة الكبار في لبنان: كمال ناصر وأبو يوسف النجار وكمال عدوان، ومن ثم سقوط حكومة الرئيس الراحل صائب سلام إثر ذلك كله، وقوله: «لبنان مقبل على عواصف وأعاصير سعيت جاهداً أن أصونه منها في أيامي». وأشار عبيد إلى أن شهاب «تسلّم رئاسة الجمهورية ولبنان منقسم مضطرب متصارع حول الخيارات الحادة والملتهبة في الداخل والخارج من التجديد إلى الوحدة إلى جمال عبدالناصر إلى مشروع آيزنهاور لملء الفراغ في الشرق الأوسط، وسلم لبنان موحداً آمناً مستقراً إلى الرئيس الراحل شارل حلو». وذكر بأن شهاب «رفض سياسة الولاء الأعمى لقيادة عبدالناصر وسورية وفلسطين، وسياسة العداء الأعمى لعبدالناصر والسوريين والفلسطينيين». وأكد «أن الشهابية كانت أرقى وأفضل وأحدث تجربة للحكم عرفها لبنان، وفؤاد شهاب، ومن بعده الياس سركيس»، وقال: «جاهد فؤاد شهاب لئلا يحول لبنان ولئلا يجعل السلطة في أيامه منطلقاً للفتن وللأخطار والخطايا أو مأوى لها، وما بالغ في الخصومة حتى من أجل ما يعتقد أنه حق لكي لا يأثم، ولا قصر في المواجهة مع ما يعتقد أنه ظلم حتى لا يستسلم أو يظلم. ولأن نفسه كرمت عليه ملكها عن أن تهون أمام شهواته». وأضاف عبيد: «رأى فؤاد شهاب في المسيحيين في هذا الشرق العربي جزءاً من ملحه وروحه وصلاحه وغناه. وما عاش ولا اغتنى ولا اعتزّ ولا اعتلى من وراء الفتنة والفرقة بين المسيحيين والمسيحيين، ولا بين المسيحيين والمسلمين، ولا بين المسلمين والمسلمين، ولا بين العرب والعرب. ويوم حمل إليه النواب في أكثريتهم الساحقة عريضة المطالبة بالتجديد وتعديل الدستور، حمى الدستور والكتاب من نفسه أولاً كي يسهل ويصحّ عنده حمايته أمام الآخرين ومنهم. وما سعى إليه فؤاد شهاب عبر نضاله الطويل الشاق النبيل هو أن يرفع من لبنان ويصنع للبنان منسوباً أعلى من الإرادة الوطنية الواحدة لا منسوباً أعلى من الذكاء الفائض فيه». ولفت إلى أن «هذه الإرادة الوطنية يحققها التواضع والتراحم والتساهل والإنصاف مع الأهل في داخل الوطن، لا التغطرس والتشدد مع الأهل ثم التنازل والتهاون مع الخارج سواء كان عدواً أم صديقاً أم شقيقاً»، وسأل: «من لهذه الإرادة والقضية والقدوة الآن؟ سؤال كبير في لبنان الآن، بل هذا هو التحدي الأكبر للبنان، بل لكل المحيط العربي».