لم تجرؤ السيدة «س» على انتزاع النقاب الذي يغطي وجهها على رغم أنها وصلت إلى دمشق وباتت بعيدة من أيدي جماعة تنظيم «داعش» التي تسيطر على مدينة الرقة، حيث كانت تقيم. فعلى رغم الحر الشديد وتبرّم السيدة الواضح من النقاب، فقد احتاجت النسوة اللواتي كن يقفن إلى جوارها في طابور انتظار طويل أمام باب دائرة الهجرة، إلى جهد كبير كي يقنعنها بأن ما من «داعش» في دمشق، وأنها تستطيع نزع النقاب ورميه بعيداً إذا رغبت في ذلك، وأنها إذا لم تقدم على ذلك فقد تصبح موضع شك من جانب القوات الحكومية التي ينظر أفرادها بريبة إلى المنقّبات ويخضعهن في أحيان كثيرة لتدابير تفتيش وتدقيق إضافية، هي في غنى عنها. الحجاب الشرعي أو الجَلد منذ أن سيطر «داعش» على مناطق واسعة في الشمال السوري وآخرها مدينة دير الزور، توجّب على النساء تحديداً أن يبدّلن نمط حياتهن جذرياً، خصوصاً في ما يتعلّق بمسائل التنقل والعمل والتعليم واللباس. وكانت السمعة التي تدحرجها «داعش» أمامها أينما حلّت، كفيلة بدفع السكان المحليين إلى اتباع القواعد التي تكفل عدم استجلاب نقمة جماعات التنظيم المتشدد عليهم، وتالياً عدم تعريض حياة عائلاتهم للخطر، خصوصاً تطبيق البنود التي تتعلق بشؤون النساء. هكذا بات النقاب الأسود السميك أحد لوازم النساء الأساسية في تلك المناطق، وأي تهاون في درجة سمكه قد يودي بصاحبته إلى الاعتقال، مع حظر كامل لارتداء «الجينز والكنزة» ووجوب استبدالهما بالعباءة والبرقع. وقد سجلت عقوبات جَلد بحق فتيات في الرقة أظهرن حواجبهن من تحت النقاب! تقول سراب، التي فرّت مع عائلتها من دير الزور قبل أن تجتاحها «داعش»: «كان النقاب ينتشر على نطاق ضيق، ومع اقتراب قوات «داعش»، عمدت كثيرات إلى ارتدائه وكأنه وصفة سحرية يمكن بها اتقاء الشرور التي قد تهبط علينا من «داعش» وهيئاته الشرعية، التي خصصت جزءاً كبيراً من قوانينها وفتاويها وتعاليمها لتقييد حركة النساء في المناطق التي تُحكم سيطرتها عليها. علماً أن ارتداء النساء النقاب لم يمنع تعرّض بعضهن للقتل والاختطاف والزواج القسري. فقد أُجبرت عائلات كثيرة في مناطق الرقة ودير الزور على تزويج بناتها لعناصر في «داعش» تحت تهديد السلاح أو التلويح باختطافهن في حال لم تقبل عائلاتهن بذلك». بيان فرض كما أصدرت الدولة الإسلامية «داعش» بياناً سمّته بيان «فرض الحجاب»، جاء فيه: «يجب على كل امرأة توجد في الشارع أن تلتزم بالأخلاق الإسلامية التي تتلخص بارتداء الحجاب الشرعي الكامل المكون من العباية الفضفاضة والحجاب والنقاب والقفازات، وعدم جواز رفع الصوت في الشارع، وعدم مشي المرأة في ساعة متأخرة وحدها، وكذلك عدم مشيها مع غير محارمها، فضلاً عن منع الاختلاط بين الجنسين في أي مكان وتحت أي ظرف» والذي بات أمراً مفروغاً منه. وأوضح المحامي والناشط الحقوقي «سائد. ع» أن «مثل هذه الممارسات تعتبر خطيرة كونها تحوّل القرارات الدينية المتشددة التي كانت تتناقل شفهياً إلى ما يشبه القوانين المدوّنة التي من شأنها أن تأخذ صفة الديمومة والإجبار. وهي تشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق المرأة، لأنها تكرّس تبعيتها للرجل وتحظّر على النساء الظهور في الأماكن العامة، وكأنهن خلقن ليبقين حبيسات منازلهن». وفي هذا الصدد، تضيف سراب أنه «لا يمكن لوم العائلات فقط على إجبار نسائها على أن يتحوّلن إلى مخلوقات تمارس حياتها من وراء قطع سميكة من القماش الأسود، فالمعايير الأولى التي تؤخذ في الاعتبار من جانب الدواعش هي مقدار ولاء هذه العائلات لها أولاً ومدى التزامها بسدّ أفق الحياة على نسائها ثانية». وعموماً، لا يبدي سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» أدنى مقاومة لهذه الاشتراطات والسلوكيات الجائرة، فهناك ما هو أهم من وجهة نظرهم. كما ان البنية الاجتماعية السورية، خصوصاً في الأرياف، اعتادت أن تدوس إرادة النساء، لا بل إن هناك استعداداً مبيّتاً من جانب العائلات المحافظة للتماهي مع هذه الممارسات، وغلق هذا الباب من دون أي تأخير وأدنى اعتبار لرغبات النساء ومشاعرهن.