ليس المهمّ من سيكون رئيس «رابطة الكتّاب السوريين» بعدما تمّ انتخاب هيئتها الرئيسية، المهمّ أنّ الرابطة انطلقت رسمّياً وفي حال من الشفافية التامّة، لا سيّما أن فتح «صناديق» الاقتراع شهدته القاهرة وأشرفت عليه لجنة من أسماء عربية معروفة بنزاهتها السياسية، ومنها بول شاوول، محمود الريماوي، سعد القرش، زهير أبو شايب ونوري الجراح أحد روّاد هذه المبادرة المهمّة، وتغيّب لأسباب قاهرة حسن نجمي. ومع أنّ اسم الكاتب والمفكر صادق جلال العظم حلّ في طليعة قائمة الفائزين جرّاء حصوله على تسعة وتسعين صوتاً هو المرشح للحلول في موقع الرئاسة، فالأسماء المنتخبة التي حصلت على أعلى نسبة في الأصوات ستتولى الاقتراع مجدّداً لاختيار الأسماء في مواقعها أو مراكزها. ومن بينها أسماء مهمة، مخضرمة وشابّة وفي مقدّمها: الروائية روزا ياسين حسن التي رفضت الخروج من سورية على رغم مقالاتها الجريئة التي لا توارب فيها ولا تخشى عواقبها، الشاعر فرج بيرقدار الذي عانى في السجون السورية أشد أحوال القهر والعذاب، الروائي فواز حدّاد والشاعرة رشا عمران وخلدون الشمعة وعبد الرزاق عيد وسواهم... واللافت أنّ الهيئة المنتخبة نجحت في إرساء التوازن المفترض بين كتّاب الداخل والخارج، وبين أجيال عدّة، تلتقي وتختلف في الرأي ، بل لعلها تلتقي حول اختلافها. وهذا مظهر من مظاهر الديموقراطية الحقيقية. ولئن بلغ عدد المقترعين مئة وسبعة أصوات من أصل مئتين وسبعة انضمّوا مبدئياً الى الرابطة، فالرقم هذا يرسّخ شرعية هذا الانتخاب في تجاوزه النصف. أمّا تلكؤ الآخرين عن الاقتراع، فهو قد يرجع الى الطريقة الإلكترونية في التصويت أو ما يمكن أن نسمّيه الطابع الافتراضي، ناهيك عن الأمزجة التي تتحكّم عادة ببعض المنضوين الى الرابطة، وهم تلكأوا ليقينهم أنّ الأسماء المهمّة ستحلّ في أمكنتها الملائمة. والجميل أن الاقتراع تمّ في جوّ من التوافق، فلا معركة ولا حملات ولا تزوير، بل شفافية واطمئنان الى النتائج، أياً تكن. فهؤلاء الكتّاب يدركون جيداً أنّ «الرابطة» هذه، التي تعاني حالاً من الفقر والقائمة على مبادرات فردية، هي بعيدة عن أيّ سلطة أو جهة، داخلية أو خارجية. ويعلم جميع الأعضاء المنتسبين الى «الرابطة» أنّ أمام «الهيئة» المنتخبة جملة من التحدّيات والمواجهات غير السهلة، وسيكون عمل «الهيئة» عملاً «تطوّعياً»، فلا مكاسب فردية هنا، ولا مصالح بل نضال وكفاح وسهر... إنّها المرّة الأولى تتشكل رابطة للكتّاب في سورية ديموقراطياً ومن خلال انتخاب حرّ، وبعيداً عن أعين رجال الاستخبارات، وقبضة السلطة. وتذكّر هذه الرابطة برابطة العام 1954 التي كانت الأولى في سورية، وكان من أعضائها حينذاك حنا مينة وسعيد حوارنية وشوقي بغدادي وسواهم، وكانت تتقاطعها تيارات فكرية شيوعية وقومية عربية... وعندما قامت الوحدة بين سورية ومصر حُلَّت هذه الرابطة وانطلق على أنقاضها عام 1969 «اتحاد الكتّاب السوريين» وهو الأول في حمل هذا اللقب، وضمّ أسماء مهمّة انتسبت إليه ومنها زكريا تامر وحنا مينة وسعدالله ونّوس وصدقي اسماعيل وعلي الجندي، ومن ثمّ أدونيس ومحمد الماغوط وسواهما... ليس الهدف هنا رسم «مخطط» لتاريخ اتحاد الكتّاب في سورية، هذا شأن الكتّاب السوريين أنفسهم، بل الغاية هي إلقاء ضوء على مسار هذا الاتحاد، كيف انطلق وسار، وكيف استحال، في أوج الهيمنة البعثية عليه مع علي عقلة عرسان بدءاً من العام 1977، اتحاداً حزبياً يحكمه كاتب بعثي متسلّط، هو أداة من أدوات السلطة، تحرّكه كيف تشاء وتأمره فيأتمر... وليت علي عقلة البعثي حمل خصلة ولو صغيرة من خصال الرئيس السابق صدقي اسماعيل الذي كان من أنقى البعثيين. أما «الوريث» الأخير لعرسان، حسين جمعة، الذي يترأس اتحاد الكتّاب، فهو يمثل نموذج «الكاتب» البعثي أو «المحازب» غير القمين بحمل صفة الكاتب أو الأديب بحسب سيرته. وليته يبادر الى إعلان استقالته مع رفاقه الحزبيين، تحاشياً للفضائح التي بدأت تحاصرهم والتهم التي تكال لهم. لكنّه لن يجرؤ، أو لعله يرفض أن يفكّر في مثل هذه البادرة، ما دام لم يتلقّ أمراً من فوق. وهو على يقين أن رفاقه البعثيين في الاتحاد، ينتظرون مثل هذه الاستقالة، ليحتلوا كرسيه ويتنعّموا بما تبقى من هذا الاتحاد البعثي... مع أنّهم يعلمون جيداً أنّ اتحادهم فقد شرعيته وانتهى. سيكون لافتاً جداً ومدعاة للأمل، حلول المفكر جلال صادق العظم رئيساً للرابطة السورية الحرّة. إنها لحظة تاريخية تعيد الى اتحاد الكتّاب السوريين الوهج الذي أفقده إياه حزب البعث، وتحرره من عزلته العربية، وتعيده الى مساره الحقيقي بصفته اتحاداً سورياً وعربياً، عريقاً وطليعياً.