هل طويت صفحة المصالحة الفلسطينية؟ السؤال بات مشروعاً ومطروحاً بقوة بعد التصريحات التي انطلقت من بعض كبار قادة حماس في غزة، والتي كانت نتائجها المباشرة العجز عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي توافق عليها الرئيس أبو مازن ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل. عربة حكومة الوحدة الوطنية العتيدة أوقفتها مسيرة «الكهرباء وكشف المؤامرة» مرة، وخلافات قادة حماس وخروجها الى العلن مرات. مراوحة جهود المصالحة بل ووصولها إلى طريق مسدود جاءت تماماً في لحظة الانتقال من التوافقات السياسية النظرية إلى حيّز التنفيذ، وهو حيّز نعرف جميعاً أنه يعني إنهاء الحالة الشاذة في قطاع غزة، والبدء في تحقيق خطوات عملية لحكومة واحدة تفتح الباب جدياً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة. مشكلة بعض قادة حماس المتنفذين أنهم يرون في أي توافق وطني باباً للانتقاص من استفرادهم في حكم قطاع غزة، ورغبتهم في «مصالحة» ما يمكن أن تقوم على القبول بالأمر الواقع وهو هنا استمرار حكم حماس المنفرد، ومعه استمرار الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. في سبيل ذلك، نرى ونسمع أشكالاً لا تحصى من مواقف التعطيل التي تتكئ على توتير الأجواء بافتعال الأزمات. هنا بالذات تعود بعض قوى حماس التي لا تريد المصالحة إلى رصيد بات تقليدياً من «قضايا» تعتبرها مبدئية، فيجرى استحضار شعارات وطنية لتوظيفها في مهمة واحدة هي جعل المصالحة قضية شائكة ومؤجّلة. في مشهد الموقف الحمساوي من المصالحة الفلسطينية قراءات أخرى تحاول تفسير هذا النكوص الذي بدأ يعبّر عن نفسه في اختلافات وتيارات ووجهات نظر متناقضة في صفوف الحركة وبالذات هيئاتها القيادية العليا، بربط ذلك كله برغبة كثر من أولئك القادة في انتظار التطورات السياسية في الساحة المصرية. هؤلاء يراهنون على «ربيع الإخوان المسلمين» في أرض الكنانة بما يرون أنه سينعكس إيجاباً لمصلحة تعزيز سلطتهم، غافلين عن حقائق واقعية أطلقها قادة الإخوان المسلمين في مصر تبدأ بالتزامهم المعاهدات الدولية (المقصود المعاهدة مع إسرائيل وليس أية معاهدة أخرى)، ولا تنتهي بحقائق واقع الحياة الرسمية المصرية التي لا تتجاوز التعامل مع الساحة الفلسطينية بصورة رسمية لا تسمح للدولة بالانحياز الى حماس ولا لسيطرتها المنفردة على القطاع. ما بات واضحاً بالنسبة الى مواطني قطاع غزة في علاقتهم مع حركة حماس وحكومتها المقالة أن الأولويات بالنسبة الى كل طرف معكوسة تماماً، ففي حين يبحث مواطنو القطاع الصغير والمحاصر عن حلول لمشكلاتهم وأزماتهم المعيشية المزمنة، تتجه قيادة حماس والحكومة المقالة إلى أولوية استمرار التفرُّد بحكم القطاع واعتبار تلك المشكلات والأزمات إفرازات «طبيعية» تقارب «فريضة» على الشعب دفعها، ووجودها لا علاقة له بكيفية إدارة حماس للأزمة. ذلك يجعل الاهتمامات تتعاكس، فما يهم مواطني القطاع الخروج من قبضة الأحكام القاسية والممنوعات التي لا تنتهي، ومعها بالتأكيد الأزمات المعيشية للحصار. ذلك يعود بنا أيضاً الى الموضوع المركزي: الخلاص من الاحتلال وتحقيق الاستقلال. هنا بالذات تبدو حماس على العكس مما يصوّر المنافحون عنها في موقف حرج: الفلسطينيون بتجربتهم باتوا على اقتناع بارتباط تحقيق أهدافهم الكبرى بإنجاز الوحدة الوطنية والوصول إلى برنامج سياسي واضح. لم يعد الفلسطينيون قادرين على رؤية مستقبلهم في معزل عن حرياتهم العامة والفردية، ولا تستقيم في أوساطهم معادلة الراهن المهيمنة في غزة والتي تريد تطويع الشعب لمصلحة الحزب، في حين يفترض المنطق العكس من ذلك تماماً. * كاتب فلسطيني