أحيى الفلسطينيون أول من أمس ذكرى «يوم الارض»، عندما قامت القوات الاسرائيلية في 30 آذار (مارس) 1967 باقتحام بلدات الجليل وواجهت بالنيران سكانها العرب الذين كانوا يحتجون على تهويد منطقتهم. لقد مثل ذلك اليوم، بالنسبة الى الفلسطينيين، اعلاناً للتمسك بالهوية والحرية والارض، وليس فقط لرفض الاحتلال وممارساته. منذ ذلك التاريخ حدثت تطورات كثيرة، حروب ومواجهات وانتفاضات ومفاوضات واجتياحات، وبقيت قضية الحرية والهوية والارض مشتعلة، وإن اتخذت اشكالاً جديدة، داخل الخط الاخضر وفي المناطق الفلسطينية حيث تضاف اليها مسألة السيادة والاستقلال. كانت الذكرى المناسبة التي تتيح للفلسطينيين إشهار الحد الادنى المشترك في ما بينهم، لكنها هذه الايام تظهر ان تحدي الحرية والحياة الكريمة لم يعد إسرائيلياً فقط. لقد بات، خصوصاً بالنسبة الى الفلسطينيين في قطاع غزة، تحدياً تفرضه عليهم السلطة التي تحكمهم، أي حركة «حماس». قد تكون مفهومة ممارسات الاحتلال والعدو. لكن ان تصدر مثل هذه الممارسات عن السلطة التي يُفترض ان تحترم كرامة المواطن وحريته، فذلك ما يثير التساؤل ليس فقط عن اسبابه ودوافعه وانما ايضاً عن طبيعة السلطة الصادرة عنه. تُسجل «حماس» - غزة يومياً اخفاقاً جديداً في ادارتها، وعلى كل المستويات. وبات الفشل ظاهرة متلازمة لادارتها، خصوصاً بعد إفشالها اتفاق المصالحة. والمسألة هنا لا تتعلق بطبيعة المفاوضات مع «فتح» وتقاسم السلطة معها في الضفة الغربية والقطاع، وانما تتعلق بنظرة «حماس» - غزة الى نفسها والى السكان الذين تحكمهم. لقد راكم قادة هذه الحركة في القطاع من الاخطاء السياسية ما جعل من شبه المستحيل التوجه نحو المصالحة استناداً الى البنود التي وقّع عليها رئيس مكتبها السياسي، حتى ولو أدى ذلك الى انقسام داخلي. كما انها اندفعت في خصومة مجانية مع مصر، بذريعة مشكلة الكهرباء، حتى لو أدى ذلك الى اغلاق البوابة الوحيدة نحو الخارج. قد يكون ممكناً ايجاد تبريرات، وإن واهية وغير مقنعة، لمثل هذا السلوك السياسي الفاشل. لكن كل التبريرات التي تقدمها «حماس» - غزة في كيفية ادارتها للقطاع، لا تغطي ولوغها في القمع والتنكيل وكتم الانفاس. لقد كانت تبرر فشلها السياسي بممارسات الاحتلال تارة، وب»تآمر سلطة رام الله» طوراً، أي انها كانت تتحلل من مسؤوليتها كسلطة حاكمة في القطاع بإلقاء التبعة على الآخرين، على الخارج. وهي ما تكرره الآن بإلقاء هذه المسؤولية على الناس في القطاع. انها تعتقل الصحافيين الذين يجرؤون على الكلام عن الازمات المعيشية او ضرورة المصالحة الفلسطينية. انها تعتقل المدونين الذين ينتقدون الوضع المعيشي. ووصل الامر بها الى القبض على سائقي التاكسي الذين يشكون قسوة المعيشة لزبائنهم من الركاب. وتحيل جميع هؤلاء على نيابتها العامة بتهمة بث الاشاعات المغرضة والاكاذيب. ولدعم مثل هذه التهم الملفقة طبعاً، تكتشف «حماس» - غزة مؤامرة تشترك فيها «فتح» من اجل اطاحة سلطتها. وهنا بيت القصيد في سلوك «حماس» غزة: السلطة ولا شيء آخر غيرها. وهذا ما يفسر رفضها للمصالحة الفلسطينية، لانها تريد الاحتفاظ بها منفردة في القطاع. وهذا ما يفسر قمعها الشديد لأي معترض على سياستها في القطاع، ولأي معترض على ادارتها للشؤون الحياتية فيه والتي بلغت حداً من البؤس الشديد بفعل هذه الادارة. فهي قد تكون تخشى انتفاضة شعبية تتراكم نذرها، بفعل الغلاء وانعدام المواد الغذائية والدواء والكهرباء والماء، وبفعل الفساد والحكم الميليشياوي. وهي تتفرد بالقوة بعدما حيّدت، بالسلاح، بقية الفصائل والمجموعات والعائلات الغزية المنافسة. وراحت تحصي الانفاس وتطارد وتعتقل كل من يعترض او ينتقد او ينشط في هيئات المجتمع المدني، او يطالب بحياة كريمة مفقودة. انتفض الفلسطينيون في الجليل في 30 آذار 1967 في وجه الدولة الاسرائيلية التي حرمتهم من مقومات حياتهم وثقافتهم. وبعد مرور 45 عاماً على يوم الارض، يواجه الفلسطينيون شبيهاً في ظل حكم «حماس» للقطاع.