لم يكن خيال أكثر الأدباء إبداعاً يمكن أن يُصوِّر واقع المرشح السلفي لرئاسة مصر حازم صلاح أبو إسماعيل، فصاحب نظرية «المؤامرة الأميركية» التي تحاك ضده في أروقة البيت الأبيض وجهاز الاستخبارات ويشرف عليها الرئيس باراك أوباما بنفسه، لم يحل بينه وبين المنافسة على «عرش مصر» إلا جنسية والدته الأميركية التي يُصرّ على إنكارها ويضعها في إطار «مؤامرة» ضده. والداعية السلفي ذو الشعبية الجارفة بين أنصار التيار الإسلامي، خصوصاً في الريف المتدين بطبعه، تمكن من جمع أكبر عدد من التوكيلات الشعبية المطلوبة لقبول أوراق المرشح، وزاد على الرقم المطلوب وهو 30 ألف توكيل أكثر من 120 ألفاً، في حين جاهد مرشحون ظلوا لسنوات ملء السمع والبصر في تأمين الرقم المطلوب. وظل أكثر ما يجذب انتباه أنصار أبو إسماعيل في مؤتمراته الحاشدة التي يعقدها كل أسبوع في مسجد «أسد بن الفرات» في حي الدقي القاهري الراقي، حديثه عن أميركا ومحاولات أجهزة استخباراتها التدخل في انتخابات الرئاسة لإقصائه. ووصل به الأمر إلى تأكيد أن أوباما جمع مستشاريه ومديري أجهزة الاستخبارات ووضع «خطة بديلة» للتعامل مع ملفات الشرق الأوسط في حال نجاح أبو إسماعيل في انتخابات الرئاسة. وهو ظل دوماً يتهم المجلس العسكري بالخضوع لإملاءات الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي أي» وسن قوانين تسمح لإسرائيل بتأمين حدودها قبل أن يصل إلى حكم مصر رئيس إسلامي مثله. وطالما أوحى للحضور أنه يكشف «أسراراً تتداول في الغرف المغلقة» في المحادثات بين المجلس العسكري والمسؤولين الأميركيين، وهو ما كان يلقى استحسان الأنصار الذين يطلبون المزيد، لكن «اعتبارات الأمن القومي» وحدها كانت تمنع أبو إسماعيل من كشف مزيد من أسرار هي في حقيقة الأمر مجرد تسريبات صحافية منقحة بتحليل سياسي. وزاد هجوم أبو إسماعيل الجارف على واشنطن وتل أبيب من شعبيته، فظل يكسب مزيداً من الأنصار وسط البسطاء إلى أن أتته المعضلة من حيث لا يدري، من سجلات وزارة الخارجية الأميركية التي خاطبت نظيرتها المصرية بأن والدته مواطنة أميركية حصلت على الجنسية، فما كان من أبو إسماعيل إلا أن أنكر واعتبر أن هذه المستندات زوَّرتها الإدارة الأميركية في إطار خطتها لإطاحته التي طالما تحدث عنها، وهو ما اقتنع به أنصاره الذين حاصروا مقر اللجنة العليا للانتخابات، معتصمين أمامها لحين إعلان «كلمة الحق». وعلى رغم استهزاء أبو إسماعيل بداية بالحديث عن صلاته العائلية بالولايات المتحدة، إلا أنه أقرَّ بحصول شقيقته وزوجها على الجنسية الأميركية، وتحدث عن حمل والدته «غرين كارد» أميركياً، لكنه ظل ينفي تجنسها. وتعهد كشف مستنداته في هذا الصدد، لكنه لم ينشر أياً منها، واكتفى باتهام واشنطن بتزوير طلب جواز السفر الأميركي لوالدته الذي أرسلته وزارة الخارجية الأميركية، لتصبح جنسية والدة أبو إسماعيل إحدى غرائب أول انتخابات رئاسية مفتوحة تجرى في مصر.