قال مسؤولون أمس إن المحكمة الجنائية الدولية ستُسقط قريباً طلبها من ليبيا إرسال سيف الإسلام القذافي إلى لاهاي لمحاكمته بتهمة التورط في جرائم ضد الإنسانية مرتبطة بقمع الانتفاضة التي أطاحت نظام والده معمر القذافي العام الماضي. وقال هؤلاء المسؤولون لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إن نجل القذافي يمكن أن يُحاكم في ليبيا ولكن تحت إشراف المحكمة الجنائية. وسيف الإسلام معتقل في بلدة الزنتان غرب ليبيا بعد اعتقاله في جنوب البلاد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ويتم حالياً التفاوض على الصيغة النهائية للاتفاق في شأنه محاكمته بين الحكومة الليبية والمحكمة الجنائية التي سيزور كبير المدعين فيها، لويس مورينو أوكامبو، طرابلس هذا الأسبوع. لكن المحاكمة قد لا تبدأ قبل شهور. في غضون ذلك، كتبت وكالة «رويترز» تحقيقاً من بنغازي مهد الثورة الليبية، وقالت إن المحتجين الذين نزلوا إلى ساحة المدينة منادين بسقوط القذافي العام الماضي ورفعوا العلم الليبي الذي كان معتمداً خلال النظام الملكي، عادوا إلى الساحة نفسها الشهر الماضي لكنهم رفعوا هذه المرة علماً مختلفاً يتوسطه نجمة وهلال باللون الأبيض على خلفية سوداء وهو علم شرق ليبيا. وأصبح هذا العلم الجديد لواء لحملة تهدف إلى حكم ذاتي للمنطقة، مما أغضب القيادة الجديدة في ليبيا وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد التي كانت محور تفاؤل كبير بعد إطاحة القذافي من الممكن أن تحافظ على تماسكها بعد رحيله. ولشرق ليبيا وبنغازي المدينة الرئيسية فيها أسباب تاريخية في الارتياب في الحكم المركزي. إذ انه خلال حكم الدولة العثمانية كان إقليم برقة ولاية منفصلة عن ولاية طرابلس إلى الغرب حيث توجد العاصمة الليبية حالياً. وضمت إيطاليا القوة الاستعمارية الولايتين لتصبح ليبيا موحدة في الثلاثينات. وبعد الاستقلال أصبحت بنغازي مقراً للنظام الملكي الليبي. لكن الشرق تم تجاهله بعدما أطاح القذافي الملك إدريس السنوسي عام 1969 وتخشى أن يكون الأمر ذاته يحدث حالياً مع تولي المجلس الوطني الانتقالي السلطة حالياً. لكن هناك سبباً أدعى لمطالبة الشرق بالحكم الذاتي الآن. فبعد سبعة أشهر من انتهاء حكم القذافي يبدو المجلس الوطني الانتقالي بالغ الضعف ومفتقداً للتنظيم لدرجة تحول دون فرض سلطته على البلاد مما يترك فراغاً تشغله حلول محلية. وفي الوقت الذي تسعى فيه بنغازي إلى إدارة شؤونها، تحدث الظاهرة ذاتها أيضاً وإن كان بمظاهر أقل في مدن أخرى مثل مصراتة والزنتان في غرب ليبيا. وقال العربي صديقي وهو أستاذ لدراسات الشرق الأوسط بجامعة اكستر البريطانية: «الأجواء الحالية تنم عن فوضى هائلة ... المجلس الوطني الانتقالي لم يعمل على التقرب إلى القلب الليبي. الوضع فوضوي. مصراتة تفعل ما تريد... الزنتان تسيطر على المطار... كل أنواع المطالب تطرح لهذه الحكومة وهي لا تستجيب لها». ويمثّل الجدل الدائر حول الحكم الذاتي لمنطقة دون أخرى أهمية للعالم الخارجي. وسيوفر وجود دولة فاشلة في ليبيا ملاذاً لجماعات إسلامية متشددة وتهريب السلاح وتجارة المخدرات على أعتاب أوروبا. كما أنها من الممكن أن تعرض إمدادات الطاقة للخطر. وتضم شرق ليبيا أكبر حقول نفط في البلاد وتضخ شركة الخليج العربي للنفط وهي حالياً شركة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط 331 ألف برميل من النفط يومياً. ومن بين الزعماء الذين يدعون لحكم ذاتي للشرق أبو بكر بويرا الذي اقترح أن بنغازي من الممكن أن تستخدم ثروتها النفطية في تحقيق أهدافها. وعندما سئل ماذا سيحدث في حال عدم تنفيذ الحكومة في طرابلس للمطالب قال بويرا إنهم ربما يضطرون إلى وقف تدفق النفط. وينظر الكثير من الناس في شرق ليبيا الى الحاضر من زاوية ماضٍ اكثر رخاء في ما يبدو. وطوال نحو عشر سنوات بعد استقلال ليبيا عام 1951 كان يجري إدارة البلاد طبقاً لشكل اتحادي مع وجود ثلاث مناطق. وتم تداول السلطة بين برقة وولاية فزان الجنوبية وولاية طرابلس في الغرب. كانت بنغازي العاصمة التجارية لليبيا كما ان الشرق كان يحمل صفة موطن الملك ادريس وكذلك موطن الزعيم عمر المختار الذي قاد المقاومة للاحتلال الإيطالي. لكن ليبيا بدأت تحويل الحكم إلى المركزي خلال السنوات الاخيرة من الحكم الملكي. وأسرع القذافي من العملية بعدما قام بانقلاب عسكري في ليبيا لكن بالنسبة إلى بنغازي كان التراجع أكثر حدة وإيلاماً. ولا تهبط رحلات جوية دولية تذكر في بنغازي كما أن المطار غالباً ما يكون مغلقاً. ونقلت السفارات والمصالح الحكومية إلى طرابلس مع بقاء عدد محدود من القنصليات في بنغازي.