بات ما تقدمه الكاميرا الخفية حديث الصحف والمشاهدين، بعدما تحولت برامجها إلى تقليد متبع في المواسم الرمضانية، ولم تقتصر الأفكار فيها على «مقلب مهضوم» وتحقيق عنصر الدهشة، أو إثارة انتباه الضحية بأفعال يمكن أن يقال عنها لطيفة، كوضع ورقة نقدية مربوطة بخيط، أو التطفل على شخص يتناول وجبة في أحد المطاعم، أو طلب يد العون من عابر سبيل ليكتشف بعدها أنه مجرد ضحية للكاميرا الملعونة... بعد سنوات طويلة من عمر هذه البرامج، لم تستطع الكاميرا الخفية العربية الحفاظ على خفة ظلها، بل يمكن التأكيد أنها باتت كاميرا سمجة، عدوانية، همها الاستفزاز، من دون أي اعتبار لمشاعر الضحية وإنسانيتها. فالمطلوب هنا التصعيد العصبي، واستثارة العواطف ليحقق صانع المقلب النجومية على أكتاف الفريسة، من دون اعتبارات أخلاقية أو صحية. ويُذكر أن بعض الدول الأوروبية منعت هذه النوعية من البرامج بسبب أحداث وقعت أو كادت تودي بحياة أشخاص، ومنها ما تسبب فعلاً بإزهاق أرواح، لكنّ المنتجين العرب ومعدي هذه البرامج، يفتشون عن الإثارة من غير احترام لحياة الأشخاص الذين يخوضون معهم التجارب القاسية، فتحولت اللعبة من أوقات دعابة وترفيه إلى أوقات عصيبة، بحجة تحقيق المتعة والفكاهة للمشاهد. ولكن بأي حق يمكنهم استثمار حياة الآخرين لنجاح برامجهم وتحقيق الأرباح؟ ولعل ما يحاول بعض الفنانين المصريين تقديمه هو الأخطر والأسوأ في مسار الكاميرا الخفية، لا سيما ما قدمه رامز جلال لثلاثة مواسم متوالية، كلنا يذكر كيف تدخلت المصادفة في نجاة الفنان خالد عجاج، والحالات النفسية الخطرة التي وصل إليها بعض الفنانين في برنامج هذا الموسم، وحالة الإغماء التي أصابت الفنانة سما المصري وسط البحر... لكنّ ما يزيد الطين بلة، أن الفنان محمد فؤاد بعد أن شاهدناه ضحية، تحوّل إلى جلاد في برنامج «فؤش في المعسكر» على قناة «الحياة»، حيث يمارس السادية على ضحاياه، بعد أن يحتجزهم كومبارس يرتدون بزات عسكرية إسرائيلية، ويبدأ التحقيق معهم بتهمة التجسس أو حيازة الأسلحة. إن المشاهد المتابع لبرنامج «الموعد الكارثي» الذي تعرضه قناة «ام تي في» بات يعرف الفرق بين الكاميرا العربية الخبيثة التي تجهد في إرهاب الضحية أو إذلاله، وبين فكرة البرنامج المذكور التي حرصت على إضحاك الضحية قبل المشاهد، بخاصة أنها تعتمد على ردود فعل سريعة، ومواعيد غرامية لأصدقاء يعرفون بعضهم ويعرفون عادات الضحية وظروفه قبل زجه أمام العدسة، ويقدمون له في النهاية مبلغاً من المال يعادل الدقائق التي صمد فيها أمام الكاميرا. وفي النهاية ليس المقصود المال مقابل المقلب لأن منتجي برامج الكاميرا الخفية العربية يتقاضون آلاف الدولارات، لكن وبحجة خلق البسمة على شفاه المشاهد يتحول الفنان الأنيق إلى ضحية داخل زنزانة وهو مذعور ومنهار ويترجى شخصية ترتدي الزي العسكري، لتتحول مفردات الكاميرا الخفية ومقومات الابتسامة إلى أفاعٍ وخفاش ومقابر مغلقة وحالة اختطاف وأزيز رصاص وانفجارات واعتقال وطائرات تحلق فوق الضحية وغرف تحقيق ومعتقل وأسلحة موجهة صوب دهشتنا، وإضاءة متقطعة لإثارة الذعر، وأوصال مقطعة، ثم دماء لإثارة الخوف والهلع وضحايا تستغيث، وزملاء يتراقصون ويهرجون، يشربون الشاي ليضحكوا على ردود فعل الضحايا، وتعابير الهلع التي تظهر على وجوههم، من دون أدنى مسؤولية أو مراعاة لسلامة بطل المشهد، أو احتمال إصابة هذه الضحية بنوبة قلبية، أو جلطة دماغية جراء ما تتعرض له من ترويع واستغلال.