بين القنوات التلفزيونية من تقدم بعض البرامج، وخصوصاً ما تستدعيه المناسبات منها (مثل رمضان) من دون دراسة أو معاينة تأخذ في الاعتبار ما قد يكون لهذا الذي تقدمه من انعكاسات سيئة أو سلبية على المشاهد، أو على المشاهد والممثلين معاً الذين قد يقعون ضحايا سوء التقدير هذا، كما هو الأمر في برنامج غريب العنوان، ملتبس القراءة، مثل «خل ن بوكا» الذي تقدمه قناة «البغدادية» للموسم الثاني.. ولكن هذه المرة بإساءة أكبر للفنانين الضحايا (عفواً المستضافين) عبر مقلب خطير الوقع، قد يكون له انعكاسات سلبية على الوضع الشخصي للفنان الضحية. وهذه خلاصة المسألة: يضرب مقدم البرنامج (الشاب علي الخالدي) موعداً مع ضيوفه الفنانين عند ناصية أحد الشوارع، ويصطحبهم الى «استوديو البغدادية» لإجراء لقاء فني معهم. وفي الطريق يعترضهم حاجز تفتيش عسكري (هو المكان الذي اختاره المخرج لنصب كاميراته الخفية)، وتكون هناك ثلة «عسكرية» بكامل عدتها القتالية تخضع السيارة ومن فيها للتفتيش... فيصرخ أحد الجنود منذراً بوجود عبوة ناسفة في السيارة الأمر الذي يقلب المشهد الى حال من الهلع تنتاب الفنان الضحية الذي لم يجد نفسه يوماً في مثل هذا المأزق ليبدأ التحقيق في الهواء الطلق، وتحت الشمس التي هي في درجة حرارة لا ترحم. وتبدأ عمليات الاستنطاق، وليّ الأذرع، ليصل الأمر الى حد السقوط على الأرض من شدة الإعياء - إعياء الفنان الذي قد يكون الحال جره الى ما هو أسوأ لو أخضع نفسه لفحص طبي. وإذا كان الحال الذي تجد فيه الفنانة الضحية نفسها أفضل نسبياً من حال زميلها (لاعتبارات أخلاقية واجتماعية يبدو أن الجنود أكثر حرصاً عليها من مقدم البرنامج) إلا أن الأمر في الحالتين يبقى لا يليق بالفنان، ولا بالفن التلفزيوني من وجوهه كافة. فالتهمة التي يجد الفنان أو الفنانة، نفسه متلبساً فيها ليست سهلة، وإثبات البراءة منها أيضاً بعد اقترانها بالدلائل ليس بالأمر السهل هو الآخر: إنها جريمة تنضوي تحت بند الإرهاب، والقانون الذي يخضع له المتلبس فيها هو «قانون مكافحة الإرهاب»، ولنا أن نتصور الأمر غير الغائب عن ذهن من يجد نفسه في وضع كهذا! ثم بعد أكثر من نصف ساعة في العراء: على أرض كثيراً ما تمرغ على ترابها الفنان ومقدم البرنامج، وتحت شمس حارقة، ينفضّ المشهد بأن يُكشف للفنان الضحية أن هذا مقلب، وأن الكاميرا الخفية هناك... فيبهت الفنان، ليس فقط لأنه كان على مدى نصف ساعة أو أكثر مشدود الأعصاب الى حد الانهيار جراء اللعبة، وإنما أيضاً لأن «اللاعبين» ارتضوا لأنفسهم مثل هذا الدور. وفي النهاية يخرج مقدم البرنامج على مشاهديه بابتسامة انتصار، وكأن الكلمات التي لم يقلها صراحة، ظلت وراء ما نطق به تقول: تحيا المراهقة التلفزيونية!