الإلحاح من الكاتب على فكرة معينة سلوك لا يحظى غالباََ بقبول واستمزاج القراء. ولذا أحاول قدر الاستطاعة تحاشي العودة إلى مقال سابق وفتح النقاش مع ردود القراء، إذ أوطّن نفسي على قبول أي رأي مهما كان مخالفاََ أو حاداََ، بأنه مثلما أخذتُ فرصتي في أن أقول ما أريد فمن حق الآخر أن يأخذ فرصته بالمثل في أن يقول ما يريد. أضع هذه الديباجة الاعتذارية كي أبرّر لنفسي العودة إلى مقالتي الأربعاء الماضي: (الحق على معاوية). لن أتورط في الدخول إلى نقاش تفصيلي مع الردود والتعقيبات الكثيرة التي وردت إليّ أو نشرت في المنتديات و «تويتر». إذ نقضَ البعض فكرة المقال من أساسها حين فتح جروح المحاكمة من جديد لتبيان تفاصيل وحيثيات مع من كان الحق: علي أم معاوية؟ وكأنهما ما زالا يتقاتلان حتى اليوم، كما قلت في مقالتي تلك، وكأننا نعيش أيامنا الآن خالية من أي خصومات ومعارك... ما حدا بنا من ترف الأمن الذي نعيشه أن نستعيد مشاهد من معارك السابقين! لم أكتب مقالتي تلك لكي تخرج مجموعة من إحدى الطائفتين لتجدد العهد مع الشتم لمعاوية، ومجموعة أخرى تهاجمني لأني قلت أن علياََ كان مع الحق ومعاوية كان على باطل، كما قال بذلك عدد من مؤرخي وعلماء السلف، من دون شتم أو انتقاص أيّ من الطرفين، رضي الله عنهما. كتبت مقالتي كي أقول أوقفوا الشتم والانحياز والانشغال بالآخرين عن أنفسنا. مثلما أثبتت المقالة أن الاحتقان المتجدد لمعركة قديمة ما زال وافراََ، فقد أبانت من جهة أخرى أن فئة لا بأس بها، عدداََ ونوعاََ، من الطائفتين، ترنو بحق إلى إيقاف هذا النقاش العقيم وإغلاق هذا الملف الأسود... الذي يزداد سواداََ بصنع أيدينا. وفي ما قرأت مما وصلني، لا أتردد في الترويج لكتابة عملية منهجية متوازنة في هذه القضية كتبها الدكتور محمد عياش الكبيسي تحت عنوان: «علي ومعاوية... قراءات مختلفة ومنهجية». يطرح الكبيسي (المتوازن) في مقالته هذه أسئلة منطقية لا تنكأ الجروح، لكنها توقف النزف... لمن أراد إلى ذلك سبيلاً. حين أعود الآن لقراءة بعض الردود والتعليقات المتشنجة في أعقاب مقالتي، وخصوصاً في النيل من معاوية وبقية الصحابة المحسوبين معه، أكاد أؤنب نفسي على الكتابة، بالقول: إن الحق ليس على معاوية ولا علي .. بل عليّ! وبالمقابل، حين أقرأ تعليقات العقلاء الذين أسعدتهم الدعوة إلى إغلاق هذا الملف الدامي والانشغال بملفاتنا الدامية / الحامية الآن، تزول عني أعراض الحالة الأولى، وأحمد الله أني ما جنيت على أحد. * كاتب سعودي [email protected] Twitter: @ziadaldrees