إذا كان ميلاد النكتة السياسية مرتبطاً بالتفريج عن الكبت ومقاومة التسلط والقمع وانتقاد ما يدور في المجتمع من سلبيات، فإن الجزائريين الذين ازدهر هذا النوع من التنفيس عندهم في عهد الرئيس السابق الشاذلي بن جديد فقدوا حس الفكاهة اليوم بعدما فقدوا الاهتمام بالسياسة. وفي المقابل اندست كلمة «نورمال» (أي عادي) في لغة الجزائريين للتعليق على كل ما هو غريب وغير عادي اختصاراً لليأس والإحباط. وإذا كان الضحك علاجاً نفسياً ضد القهر والكآبة، فقد بات وصفة مستعصية على الجزائريين الذين أداروا ظهورهم حتى «للبلاوي» التي تطالعهم بها الصحف ويتعثرون بها في حياتهم اليومية... كل شيء بات «نورمال» وشر البلية ما عاد يضحك أحداً! وتقول إحدى النكات النادرة عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة المنشورة على الإنترنت أن بن لادن احتجز يوماً رهائن داخل كهف، فأرسلت له أميركا رئيسها السابق جورج بوش للتفاوض معه، إلا أنه وبعد ساعة من المفاوضات خرج بعمامة على رأسه مشهراً إسلامه. بعدها أرسلت فرنسا رئيسها نيكولا ساركوزي للتفاوض مع بن لادن لكنه بعد ساعة خرج مرتدياً عمامة مشهراً إسلامه. وعندما يئس الغرب من حكامه أرسلوا له بوتفليقة، فدخل هذا الأخير الكهف وبعد ساعة واحدة خرج بن لادن هاتفاً «نعم لعهدة ثالثة». وفي نكتة أخرى يقال إن الرئيس رواها بنفسه، والعهدة على الراوي، جاء أحد المواطنين الجزائريين يسأل الرئيس: «لماذا لا نضع عبارة على علمنا الوطني تمثلاً بالعراقيين الذين أضافوا كلمة الله أكبر والسعوديين الذين كتبوا لا إله إلا الله؟» فسأله بوتفليقة وماذا تقترح أن نضيف، فأجاب المتحدث، نضيف «الله غالب»! وهو تعبير اجتماعي يتضمن مفهوم العجز عن أداء الشيء أو تغييره. ويعرف الدكتور عبد المجيد مرداسي وهو أستاذ في العلوم الاجتماعية وصاحب عدد من المؤلفات، أن مفهوم النكتة كهيكل يتعلق بنشر الإشاعة وهي طريقة لنقد الأوضاع، فمنها ما ولد من عمق المجتمع ومنها ما جاء من خارج الوطن، كما كان الحال في عهد الرئيس هواري بومدين إذ كانت بعض النكات تسافر من الاتحاد السوفياتي نحو الجزائر فيعطيها الجزائريون الصبغة المحلية. ويشير مرداسي إلى أن النكتة السياسية تزدهر في غياب الحريات باعتبارها تنتقد الأنظمة الشمولية والتعسفية، أما مصادرها فقد تكون شعبية أو من السلطة نفسها، مشيراً في هذا الصدد إلى النكات التي كان يطلقها الشريف بلقاسم على قايد أحمد وهما من رموز النظام الجزائري في عهد الرئيس بومدين. وازدهرت النكتة السياسية في عهد الرئيس السابق الشاذلي بن جديد (الذي حكم الجزائر من عام 1979 إلى 1992) إلى درجة أنها تحولت إلى ظاهرة اجتماعية حقيقية. والجيل الذي عايش تلك الفترة يتذكر ذلك الطفل الصغير الذي شارك في حصة تربوية ترفيهية للأطفال وعندما سألته المنشطة أن يقدم نكتة قال «مرة الشادلي...» فانقطع الإرسال. ويقال أنه عندما سئم الرئيس من كثرة النكات عنه جمعها وألقاها في البحر للتخلص منها «فخرج السمك ميتاً من الضحك». ومع خروج بن جديد من السلطة نهاية الثمانينات ودخول البلد في مرحلة الأزمة الأمنية خسر الجزائريون جزءاً كبيراً من سخريتهم إذ أن ما بقي بعد ذلك كالضحك من الإرهاب والإرهابيين ومن جنرالات الجيش قليل ولا يقارن بالفترة التي سبقته. وفجأة مع حلول الألفية الثالثة وعلى رغم عهد التكنولوجيا الذي سهل التواصل توقف الضحك كلياً، وصار الجزائريون الذين كانت قهقهتهم تسمع على بعد أمتار، بلا صوت. ويشرح مرداسي هذه الظاهرة بحالة الاكتئاب التي أصابت المجتمع الجزائري، والتي أضاعت روح السخرية السياسية منه وأفقدته العلاقة النقدية مع المحيط فأصيب بنوع من الركود في التفكير والإبداع ووجد نفسه مجرداً من خط دفاعه ضد التسلط وبالنتيجة فقد الجزائري شكلاً من أشكال المقاومة السياسية التي ميزته خلال عقود. أما أصل الهم فيرجع إلى تراجع النخبة الجزائرية واستقالتها. وختم مرداسي معلقاً بأن السلطة نفسها اليوم بائسة وليس فيها ما يستدعي اهتمام المواطن ولا حتى بالضحك عليها. أما ما بقي من روح السخرية فتحمله الرسوم الكاريكاتورية التي تألق فيها الجزائريون كثيراً، وصنعت مجد عدد كبير منهم داخل الوطن وخارجه. فمن من القراء الجزائريين لا يفتح جريدة «ليبرتي» على رسوم علي ديلام ذي السمعة العالمية أو «لوسوار دالجيري» على رسوم «لو إيك»، أو يبدأ بقراءة الخبر من الصفحة الأخيرة التي تحمل رسوم «أيوب» وهي كل ما بقي للجزائريين من إرث الضحك على من يحكمهم.