رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدى، يخطف الأضواء بتصريحاته المنتقاة بعناية. للرجل عبارات تخصه وحده، ولديه قدرة فائقة على جذب الانتباه. لا ييأس من انفراج الأزمة السودانية، وينسج خيوطاً تمتد إلى الحكومة ولا تغادر صفوف المعارضة، وهو ما جعل من الرجل شخصية غامضة الوجهة والغرض. «الحياة» التقته في مقر إقامته في أم درمان ثاني أكبر مدن العاصمة السودانية الثلاث فحدثنا عن الثورات العربية وفرص وصولها إلى السودان. هل تعتقد أن السودان موعود بربيع عربي أسوة بدول مجاورة طاولتها موجة التغيير؟ - أولاً دعونا نسأل عن معنى كلمة ربيع عربي. هي تعني أن العالم العربي فيه نظم تمثل طقساً «كريهاً» يتمحور حول الفساد والاستبداد وبطالة الشباب والظلم وعدم المشاركة وغياب الحريات... هذا هو ما كان يسمى بالنظام الشرق أوسطي، وهناك إجماع شعبي على رفضه. الربيع يعنى بداية التخلص من النظام الظالم... وحصل تطلع مشترك لدى الشعوب لإنهاء النظام الشرق أوسطي وتبعاته. السوداني يعاني من ذات المظالم التي وقعت في مصر أو سواها من البلدان. صحيح أن بعضها ومن بينها السودان فيه توجه إسلامي. كذلك هناك تطلع لممانعة وطنية ضد التبعية والاستسلام لإسرائيل. سورية كانت بقيادة بشار الأسد تعتبر من دول الممانعة وهذا لا يعني أن تتنازل الشعوب عن حقوقها. ولذلك حصلت الثورة الشعبية في سورية على رغم تصنيف النظام كممانعة. بالنسبة للسودان وجود شعار إسلامي لا يعني تنازل الشعب عن حقوقه. وجود توجه إسلامي لا يعنى أي نوع من الحصانة ضد التوجه نحو الحرية والديموقراطية. الرئيس السوداني عمر البشير قال إن ربيع السودان حل قبل 23 عاماً حين استولى هو على الحكم... ما قولك؟ - تسلسل الأوضاع يقول إن الشعوب تريد حرية، والحرية تأتي بالإسلام. الذين أتوا في مصر وتونس بشعارات إسلامية، فعلوا ذلك عبر التعديل الديموقراطي وليس عبر «دبابة». لذلك لا يمكن أن يسمى ما حدث في السودان ربيعاً. هو انقلاب. صحيح رفع شعار إسلامي، لكن ذات الشعار إذا تناقض مع الحرية والكرامة والعدالة فهو مرفوض لأن الإسلام نفسه يكفل هذه المعاني، والنظام الديموقراطي الذي أطيح به عبر الانقلاب في 89 نفسه كان يرفع شعاراً إسلامياً... هم فرضوا شعارات إسلامية عبر الدبابة العسكرية... وهذا أمر مرفوض. الأسباب التي أدت إلى «الربيع» في الدول الأخرى من غياب الحريات والفساد والظلم... يراها البعض متوافرة في السودان لكن الشعب يبدو بعيداً عن الرغبة في أي تغيير؟ - دائماً كان الاعتقاد يسود بأن الشعب المصري بعيد، والسوري أبعد.. وكلمة بعيد في رأيي لا تعني شيئاً. الحقيقة أن الشعب السوداني يشكو من مظالم ومفاسد ويتطلع إلى الديموقراطية والحرية. لماذا لم يحصل تغيير إلى الآن؟ في رأيي أن الظروف تمنع. لكن التغيير سيأتي حتماً. ما هي هذه الظروف برايك؟ - لمدة طويلة كانت القضية الأولى في السودان هي العلاقة بين الشمال والجنوب لذلك كانت هناك مراعاة لضرورة تنفيذ اتفاقية السلام. وهو ما خلق قدراً من الاستثناء وصار الوضع السياسي مربوطاً بحسم القضية بين الشمال والجنوب، ولكن بعد حسم الأمر بانفصال الجنوب وهذا سيشكل إدانة للنظام وسيكون سبباً إضافياً للتطلع إلى الحرية كما الشكوى من الإخفاق في الجنوب وكذلك في دارفور... في اعتقادي لا يوجد أحد بمقدوره تحديد متى وكيف سيحصل التغيير في السودان لكني متأكد من أنه حتمي. لديك رؤية تتحدث عن طريق ثالث ونظام جديد؟ - نحن ننادى بنظام جديد إحدى وسائله إسقاط النظام. وهناك وسائل أخرى. كما حصل في بعض بلدان أميركا اللاتينية وهي الضغط المدني الشعبي لتحقيق النظام الجديد. لا نقول إن الإسقاط مرفوض، هو وسيلة لكن هناك وسائل أخرى. نحن ضد أن يكون إسقاط النظام عبر الحرب لأن الصراع المتوقع اندلاعه سيتحول إلى حرب بين الشمال والجنوب وهو ما سيغطي على مطلب التغيير لأن الأمر سيتحول إلى مجادلة ومقاتلة بين الشمال والجنوب. نحن نتهم الساعين لإسقاط النظام عبر الحرب بالتسبب في ضياع قضية التغيير في السودان. كنت دفعت في وقت سابق للرئيس السوداني بمشروع أجندة وطنية كمخرج من الأزمة التي تعيشها البلاد. ما مدى التجاوب مع مقترحاتكم حتى هذه اللحظة؟ - لم يحصل تجاوب كامل. التعامل مع المقترحات كان جزئياً ولذلك رفضنا المشاركة في الحكومة. هل انقطع الأمل تماماً في التعامل مع مقترحاتكم تلك؟ - نحن سنستمر في الضغط لأننا نعتقد أن الأجندة الوطنية هي المدخل لقيام نظام جديد. وسنظل نعمل عبر الجهاد المدني وليس الحرب لتحقيق ما نبغيه. المعارضة السودانية متهمة بالضعف وعدم القدرة على تحريك الشارع، وهناك من يرى بأن التغيير المقبل سيقوده الشباب والأحزاب الحديثة ولن يكون للقوى الطائفية القديمة أي دور فيه. إلى أي مدى تتفق مع هذه الرؤية أو تخالفها؟ - عندما بدأت الثورة في مصر وفي تونس اعتقد الجميع بأن المعارضة غير موجودة. في اعتقادي ليس بمقدور أحد قياس الأمر لأن المعارضة لا تعتمد فقط على قوتها وإنما على فشل النظام الحاكم أيضاً. على كل حال أرى أن المعارضة في السودان قوية جداً أما أن الأحزاب غالبيتها ضعيفة ومتعبة فهذه حقيقة. لماذا في رأيك هي أحزاب متعبة وضعيفة؟ - لأسباب كثيرة، بينها أن النظام نفسه عمل كل ما بوسعه لإضعافها. جهاز أمن النظام شغله الشاغل كان اختراق الأحزاب. صودرت أموالها. شردت كوادرها وكل هذا حصل في سورية وفى مصر وليس السودان وحده. لكن في النهاية أرى أن هذا المشروع لن ينجح. الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي قال قبل أيام إنه كشف أجهزة تنصت في مكتبه واتهم الأجهزة الأمنية السودانية بزرعها... هل يشعر الصادق المهدى بأنه تحت رقابة أو أن أجهزة ما في منزله لتتبع حركاته وما يقول؟ - لا أستبعد ذلك أبداً. في الواقع استغرب أن لا يتنصت نظام شمولي على خصومه السياسيين. وإذا كان الحزب الجمهوري في بلد ديموقراطي كأميركا يتنصت كما حصل في فضيحة «ووتر غيت» فمن باب أولى أن تفعل ذلك النظم الشمولية. أنا لا أملك معلومة. لكن استغرب ألا يفعلوا فهم يتنصتون على المكالمات الهاتفية وعلى المكاتب. الأزمة الاقتصادية الحالية إلى أين ستقود السودان في رأيك؟ -الخطأ الأول المتسبب في الأزمة هو أن النظام الحاكم عندما استغل البترول اعتمد عليه وأهمل الموارد الأخرى من صناعة وزراعة. حدث هذا طوال عشر سنوات والخطأ الثاني أن كل الدلائل كانت تؤشر إلى أن الانفصال هو الخيار الأقوى. وكان معلوماً أن 75 في المئة من البترول في الجنوب وهو يشكل 90 في المئة من إيرادات العملة الصعبة و45 في المئة من إيرادات الموازنة، مع هذه الحقائق لم يتخذ أي تدبير لما يمكن أن يواجهه الاقتصاد إذا انفصل الجنوب، بل ظل الوهم السائد أن الجنوب سيصوت للوحدة. واستمر النظام يبيع هذا الوهم بينما كان الأوفق التحسب وترتيب الوضع. الخطأ الثالث عندما وقعت الواقعة وحدث ما حدث وبدلاً من التعامل مع الموقف بعقلانية فكروا أن يفرضوا على الجنوبيين نسبة في البرميل كشراكة وليس خدمة التصفية والنقل، طلبوا 36 دولاراً للبرميل. بأي حق يطلبون هذه الشراكة؟ هذا الخطأ أغلق باب التفاهم بين الشمال والجنوب وخلق مناخ الحرب الباردة حول البترول حالياً. الصادق المهدي كيف يرى مستقبل السودان؟ - قاتم جداً إذا استمرت السياسات الحالية. ما يجرى في جنوب كردفان والنيل الأزرق ينذر بتكرار ما حدث مع الجنوب. ما لم تتغير السياسات الانتحارية الحالية إلى سياسات تحقق سلاماً عادلاً وتمنع الحرب وتقيم نظاماً جديداً بتراضي أهل السودان فالمستقبل قاتم للغاية. لكن إذا حصل التغيير فالمستقبل زاهر لأن إمكانات السودان حتى بعد الانفصال كبيرة ولديه خامة بشرية ممتازة. إذا تغيرت السياسات فيمكن أن يحقق السودان مستقبلاً زاهراً والعكس صحيح.