آخر الهجمات التي يتعرض لها النابغون والشعراء، لم تأتِ من دولة ديكتاتورية، كما اعتاد العالم أن يسمع، لكنه جاء من الدولة التي يُدللها العالم ويسميها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»! لم يدافع كثيرون - كما جرتْ العادة - عن الشاعر الألماني المبدع غونتر غراس،الذي يتعرض لحملة شعواء من رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو، ويبدو أن نهايته ستكون كمثل نهاية الإعلامية المخضرمة هيلين توماس، التي شغلت منصب المستشارة الإعلامية لعشرة رؤساء أميركيين، والتي انتقدت سياسة الاحتلال الإسرائيلي، فأدى الأمر إلى طردها من منصبها وإقصائها بالكامل عن المنابر الإعلامية! وقد كرّمتْ فلسطين هذه الإعلامية، وسلمتها الدكتورة حنان عشراوي ميدالية من الرئيس محمود عباس في واشنطن يوم 5/4/2012 وتستعد وسائل الإعلام في إسرائيل لإطلاق تسمية اللاسامية على مَن كرموها أيضاً! وها هو الشاعر الألماني غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل في الآداب، والمولود عام 1927، يلحق بركب المطرودين من رحمة حكومة إسرائيل، والمغضوب عليهم من دولة إسبرطة العسكرية، والموصوم بتهمة اللاسامية. والسبب يعود إلى آخر كلماته التي نشرتها المجلات والصحف العالمية في 4/4/2012 وفيها يقول: «ما يجب أن يُقال! ولماذا أقول الآن في مثل هذه الأيام والأزمان الخطر المهدد للسلام والأمان ليس إيران، بل هو مفاعل نووي إسرائيلي يدمر سلامنا الهزيل أنا مكتئبٌ ومريضٌ من الغش، ومن النفاق الغربي الجبان.» وانتفض العرق السامي، في وجه غراس وقال: هاهو غونتر غراس يعود إلى نازيته ولا ساميته من جديد، أليس غونتر غراس كان باعترافه نازياً في كتائب هتلر؟! وسارع وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي إلى إعلان غونتر غراس شخصية غير مرغوب فيها في إسرائيل. إذن فلتشن الحرب عليه، لأنه مطرود من رحمة إسرائيل إلى يوم القيامة. فهل يكون سلاح نتانياهو المُجرَّب (تهمة اللاسامية) فتاكاً وقاتلاً كالعادة، مثلما حدث مع كثيرين كخوسيه ساراماغو الحاصل على نوبل حين زار رام الله وكتب عن التمييز العنصري والقهر الاستيطاني، وكما عوقب من قبله روجيه غارودي، وأيضاً «اللاسامي» بلانتو أروع رسام كاريكاتير فرنسي في صحيفة «لوموند «الفرنسية، لأنه رسم صورة رجل عليه علم إسرائيل يتحزم بحزام ناسف اسمه المستوطنات، وطاولتْ التهمة كذلك سفير أميركا (اليهودي) في تل أبيب دان كرتسر، لأنه فقط انتقد الاستيطان عام 2002 وقال إن على إسرائيل أن تُنفق على الشؤون الاجتماعية، وليس على الاستيطان! فقالت عنه الصحف إنه يهودي لا سامي! كما قيل عن غولدستون. إنه مُبيد اللاسامية الفتاك الذي اخترعه ولهلم مار مستغِلاً قول أرنست رينان في آخر القرن التاسع عشر حين قال: «إن الساميين يشكلون خطراً على حضارة الجنس الآري». والغريب أن كثيرين ممن يُتهمون باللاسامية هم من أصولٍ سامية، حتى اليهود أنفسهم لم ينجوا من التهمة، فقد اتهم المؤرخ والكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاحاك وكذلك يوسي ساريد وشولاميت ألوني ومعظم المؤرخين الجدد. واتهمت بها حتى الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، ومنها صحيفة «هآرتس «الإسرائيلية، ونجحت إسرائيل في تثبيت تهمة اللاسامية في أميركا وجعلتها تهمة لها عقوبات قانونية في التشريع الأميركي.