يحار كثير من أبناء منطقة جازان المقبلين على الزواج في تبرير مسألة غلاء المهور، وينشغلون أيما انشغال في تدبر تكاليف زواجاتهم التي تلامس في بعض الأحيان ال 200 ألف ريال، فمنهم من يرجعها إلى العادات والتقاليد القبلية والمظاهر الاجتماعية، إذ يرغب الغالبية في تحقيق عرس مثالي على رغم إمكانياتهم المادية المحدودة، وآخرون يعزونها إلى ارتفاع أسعار الذهب التي تستوجب غلاء المهور، ويرون أن ذلك سبب رئيس لعزوف الشباب عن الزواج وازدياد حالات العنوسة، وتفشي العلاقات غير شرعية بين الشباب وقضايا الابتزاز. زواج ملغم بالديون يعتبر محمد جابر من قرية الخرادلة أن الزواج بات مصدراً أساسياً لتكبد كثير من الشباب وذويهم للديون، وأن للعادات الاجتماعية المصاحبة للعرس دورها الفعال في هذا الغلاء عطفاً على المهر الذي عادة ما يفوق الخمسين ألف ريال، مضيفاً أن هناك احتفالاً يسمى «التخييلة» في الليلة التي تلي ليلة زف العروس لمنزل زوجها، ما شكل عبئاً إضافياً على العريس، لافتاً إلى أنه لا يؤيد المغالاة في المهور ولذلك زوج إحدى بناته قبل أشهر في مقابل 100 ريال فقط. أما بالنسبة للشاب المقبل على الزواج عبدالرحمن عطيفة، الذي كان في محل الذهب، فيقول: «تكاليف الزواج باهظة جداً، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الذهب إلى 120 ريالاً للغرام، ما يعني أنني سأدفع مبلغ 70 ألف ريال فقط للذهب، والمهر المتفق عليه نحو 50 ألفاً، إضافة إلى تكاليف الوليمة وقصر الفرح والأقمشة والعطور وغيرها»، مشيراً إلى أنها تصل إلى 200 ألف ريال وأكثر. ويضيف: «نحن نعاني من العادات الاجتماعية التي أصبحت مفروضة علينا على رغم معرفة الجميع بأنها خاطئة، فحتى أسرتي ترى ألا يقل زواج ابنها عن بقية الأفراح في المدينة أو القرية مهما وصلت التكاليف، لافتاً إلى أن ذلك نتيجة الجهل ومجاراة العادات الاجتماعية الخاطئة. ويوجّه ناصر أيوب التهم في ذلك إلى النساء، إذ ان كثيراً من الأموال تهدر على الجنس الناعم وحاجاتهن غير الأساسية، وينتشر هذا في المدن الكبرى خصوصاً في صبيا وجازان وبيش وأبو عريش، مشيراً إلى أن الحياة المدنية تتحكم في أمور الزواج والغلاء الفاحش. الولائم جزء من المشكلة وفي جانب الولائم وضخامة ما يقدم من أطعمة في مناسبات الزواج، يقول صمان الريثي: «جرت العادة ألا تقل كمية الوليمة عن عدد المدعوين بها، بل من العار جداً أن تجد المائدة فارغة والضيوف عليها»، مبيناً أن المتبقي من الوليمة يذهب إلى المحتاجين من القبيلة. أما فايز أبو طالب فأوضح أن عدد الذبائح في غالب الأحيان تصل إلى 25 ذبيحة وتزيد في حال زيادة عدد الضيوف، لافتاً إلى أن فكرة قصور الأفراح وبطاقة الدعوات مناسبة جداً لتحديد عدد المدعوين وكمية الوليمة من دون وجود فائض كبير يلقى به في المخلفات. غلاء المهور بعيون النساء ذكرت إحدى المعلمات (فضلت عدم ذكر اسمها) أن غلاء المهور يقف عائقاً أمام الشباب للإقدام على الزواج، خصوصاً في هذه الفترة التي يزيد فيها غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الذهب، وعدم وجود وظائف للشباب تتناسب مع مبالغ المهور الكبيرة: «أنا أدخل الآن عامي السابع والعشرين، ولا أعتقد أن المال سيكون حائلاً بيني وبين الزواج، لأن والدي متفهمان لمشكلات غلاء المهور. وتحدثت طالبة في كلية التربية عن مشكلتها مع المهور، مشيرة إلى أنها تنتظر فارس أحلامها منذ ثلاث سنوات لأن دخله محدود. من جانبها، رأت الإعلامية شيخة مساوى أن ظاهرة غلاء المهور أدت ببعض الشباب إلى ترك الزواج والعزوف عنه، والتوجه إلى الزواج من غير السعوديات عند البعض الآخر، ما يزيد من نسبة العنوسة في المجتمع السعودي، مشددة على ضرورة «الحد من المغالاة في المهر حتى يستطيع الشباب والفتيات إكمال نصف دينهم»، لافتة إلى أن أمراء وشيوخاً زوجوا بناتهم بمبالغ رمزية. وبالنسبة لرؤى مصطفى من إعلاميات جازان، تفضل عدم المغالاة في المهور مع إعطاء العروس حقها في أن تكون ليلتها مميزة، مشيرة إلى أن كل شيء تغير عن السابق. هل الحل في «الزواج الجماعي»؟ وعن فكرة الزواج الجماعي وما إذا كانت تروق للمجتمع الجازاني، اتجهت معظم الآراء إلى أنها ستكون حلاً جذرياً لظاهرة الغلاء الكبير في تكاليف الزواج، إذ أوضح مدير مركز التأهيل الشامل في الشؤون الاجتماعية في منطقة جازان سالم باصهي في تصريحات سابقة أن هذه الفكرة بدأت قبل أربعة أعوام برعاية الإمارة، ورفعت أوراق لتأسيس جمعية خاصة لدعم المتزوجين وتم استكمال جميع مصوغات هذا الموضوع، مشيراً إلى أنهم بانتظار تعيين أعضاء هذه الجمعية من أعيان المنطقة التي ستكون معنية أيضاً بحماية الأسرة من التفكك وكفالة الحياة السليمة لها.