اكتنف الغموض مصير الجمعية التأسيسية المكلفة وضع دستور لمصر. فبعد أن بدا أن القوى الإسلامية، وعلى رأسها حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين»، قبلت حكم القضاء الإداري الذي أبطل تشكيلها، وأنها تتجه إلى إعادة تشكيل الجمعية بما يتماشى مع حيثياته، أعلن حزب «النور» السلفي أنه سيطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ما يعني أن أعمال الجمعية ستتوقف إلى حين الفصل في الطعن وكذلك جهود إعادة تشكيلها. وفي وقت طالبت قوى سياسية وفقهاء دستوريون المجلسَ العسكري الحاكم بإصدار تعديل دستوري مكمل لحكم القضاء الإداري، أكد مسؤول عسكري ل «الحياة»، أن المجلس العسكري «لن يقدم على إجراء أي تعديل للمادة 60 في الإعلان الدستوري» التي تكلف الأعضاء المنتخبين في غرفتي البرلمان بانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد. وقال: «على البرلمان القيام بتعديل نسب تشكيل الجمعية بناء على حكم محكمة القضاء الإداري، بطريقة تضمن تمثيل فئات المجتمع كافة من دون استئثار أيِّ فصيل بها، وبما يحقق تطلعات التيارات والقوى السياسية المطالبة بذلك كافة». وحرَّكت قوى ليبرالية ويسارية دعوى قضائية أمام القضاء الإداري لإبطال تشكيل اللجنة بسبب هيمنة القوى الإسلامية عليها وضم نصف أعضائها من نواب البرلمان غالبيتهم من الإسلاميين. وأكدت محكمة القضاء الإداري أن «الإعلان الدستوري لم ينصّ على مشاركة أعضاء البرلمان في عضوية الجمعية التأسيسية، ولو كان هناك اتجاه لذلك لنص صراحة على ذلك». ودعا المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري إلى انتخاب أعضاء الجمعية الجدد من المرشحين من قبل الهيئات والمؤسسات والأحزاب من دون أن تكون للبرلمان هيمنة على التشكيل. وقال الناطق باسم حزب «النور» السلفي عضو الجمعية نادر بكار ل «الحياة»، إن حزبه سيطعن على حكم القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا، معتبراً الحكم «سابقة خطيرة لتدخل القضاء في عمل البرلمان، وإهداراً واضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات». وأضاف أن «البرلمان ليس جهة إدارية كي تصدر محكمة القضاء الإداري حكماً يتعلق بقرار اتخذه». وشدد على أن هذا القرار اتخذه حزب «النور» ولا علاقة لجماعة «الإخوان» أو حزبها به. ومعروف أن أحكام القضاء الإداري واجبة النفاذ فوراً حتى في حال الطعن عليها، ما يعني أن الجمعية ستوقف أعمالها لحين البتّ في الطعن. ولم يوضح ما إذا كان الطعن سيوقف جهود إعادة تشكيل الجمعية. وقال: «ما أعرفه حتى هذه اللحظة أن حزب النور سيطعن على الحكم، أما مصير الجمعية وكيفية التعامل معها في المستقبل فليس محدداً بعد». من جانبه، قال القيادي في «الإخوان» وكيل اللجنة التشريعية في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) صبحي صالح ل «الحياة»، إن حزبه «ليس طرفاً في القضية، وليست لنا مصلحة فيها، فالحزب ليس مُدََّعياً ولا مدَّعى عليه»، مشيراً إلى أن «نسبة الحزب في الجمعية 30 في المئة فقط ومستعدون لسحب 10 أو 15 في المئة منهم». لكنه أضاف أن «الحكم ليس واضحاً بالنسبة إلينا. لا نعرف ما هي المخالفة والعلة وراء إصدار الحكم... أعمال البرلمان لا تخضع لرقابة القضاء، فقط أعمال الإدارة يراقبها البرلمان سياسياً والقضاء قانونياً، أما أن تفرض المحكمة إرادتها على البرلمان، فهذا شيء فريد من نوعه، ورغم ذلك سنتعامل مع أسباب الحكم حسب ما نص عليه». وأوضح أنه «ليست هناك آلية أخرى للتعامل مع الحكم سوى اجتماع البرلمان بغرفتيه لاختيار الجمعية من جديد، ولو كانت وجهة نظر المحكمة تتفق مع الدستور والقانون سننفذها فوراً، أما إذا كان هناك شيء غامض فالدولة والبرلمان هما المختصان بالطعن». وأعرب عن تخوفه من إرجاء انتخابات الرئاسة بسبب هذه المعضلة. وقال: «نريد أن تتم الاستحقاقات في موعدها، ونخشى أن يحدث أدنى انحراف عن المسار السياسي». وكان مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية اللواء ممدوح شاهين أكَّد تعليقاً على صدور حكم القضاء الإداري أن المجلس العسكري سيسلم السلطة في 30 حزيران (يونيو) المقبل سواء انتهى وضع الدستور أم لا.