قرر القضاء الإداري في مصر تعطيل عمل الجمعية التأسيسية التي شكلها البرلمان لإعداد دستور جديد وانسحبت منها غالبية القوى اليسارية والليبرالية إضافة إلى الأزهر والكنيسة القبطية احتجاجاً على «هيمنة» الإسلاميين عليها. وأرجأ رئيس اللجنة رئيس البرلمان القيادي في «الإخوان المسلمين» سعد الكتاتني اجتماعاً كان مقرراً للجمعية اليوم، فيما انتقدت جماعته الحكم، معتبرة أنه «تغول من السلطة القضائية على السلطة التشريعية». ونظم مئات الناشطين الذين احتشدوا أمس أمام مقر محكمة القضاء الإداري في حي الدقي جنوبالقاهرة، مسيرات احتفالية وصلت إلى مقر البرلمان في قلب العاصمة عقب صدور الحكم. ورددوا هتافات ضد جماعة «الإخوان» بينها: «يسقط يسقط حكم المرشد»، و «الثورة لسه في الميدان». وأعلنت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة أنها قررت وقف تشكيل الجمعية التأسيسية في ضوء الدعوى القضائية التي أقامها محامون وعدد من أساتذة القانون الدستوري في هذا الشأن، ورفضت دفع محامي «الإخوان» أحمد أبو بركة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وأحالت القضية على هيئة مفوضي الدولة الأعلى درجة «تمهيداً للحكم فيها موضوعياً». وسادت البرلمان حال من الارتباك بعد الحكم. ولم يتطرق الكتاتني إلى الموضوع خلال جلسة المجلس أمس، قبل أن يخرج ببيان مقتضب أكد فيه احترامه لأحكام القضاء «إعلاء للدستور والقانون». وأعلن إرجاء اجتماع لجنة الدستور الذي كان مقرراً اليوم. لكنه لم يحدد ما إذا كان سيلتزم بحل اللجنة وإعادة تشكيلها من جديد أم سيلجأ للطعن في الحكم. وكان محامون وحقوقيون ونشطاء سياسيون ومثقفون وشخصيات عامة طالبوا بإلغاء قرار البرلمان الخاص بمعايير اختيار لجنة المئة المعنية بوضع مشروع الدستور الجديد على أساس 50 في المئة من أعضاء البرلمان المنتخبين و50 في المئة من خارج البرلمان، وبطلان تشكيل اللجنة التأسيسية. ورأى مسؤول عسكري أن المخرج من الأزمة يكمن في «ضرورة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بما يحقق تطلعات مختلف التيارات والقوى السياسية». وقال ل «الحياة»: «هذا هو الحل لاستكمال مسيرة وضع الدستور الجديد للبلاد من دون الدخول في مشاكل». في المقابل، مثّل الحكم القضائي صدمة للتيار الإسلامي بفصيليه («الإخوان» والسلفيين). واعتبر محامي «الإخوان» عبدالمنعم عبدالمقصود الحكم «سابقة خطيرة تفتح الباب واسعاً أمام تغوّل أي سلطة على أعمال السلطة التشريعية». ورأى أنه «جاء مخالفاً لكل المبادئ الدستورية، والثوابت القضائية». وأعلن أن جماعته ستتقدم خلال ساعات بطعن على الحكم، متوقعاً وقف تنفيذه وإلغاءه. وانتقد النائب «الإخواني» صبحي صالح «تدخل القضاء في أعمال السلطة التشريعية». وشاركه الرأي النائب عن حزب «الأصالة» السلفي ممدوح إسماعيل الذي اعتبر أن الحكم «تدخل سافر في أعمال البرلمان». أما مرشح «الإخوان» للرئاسة خيرت الشاطر فسعى إلى عدم الدخول في الجدل. وأكد في معرض تعليقه على الحكم احترامه أحكام القضاء، داعياً «جميع القوى الوطنية إلى الجلوس معاً للوصول إلى أفضل الحلول لعبور هذه الأزمة». وأضاف أن «مصر في حاجة إلى الجميع وإلى وضع دستور يؤسس للدولة الديموقراطية الحديثة ويمهِّد للنهضة المرجوَّة». ورحب مدير «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» بهي الدين حسن بالحكم. وقال إن «هذا الحكم المبدئي يعد مؤشراً إيجابياً وخطوة في اتجاه إعادة الحق إلى نصابه، ويفتح الطريق نحو إعادة تشكيل الهيئة التأسيسية على أسس مبدئية بحيث يخرج الدستور معبراً عن توافق المصريين وليس عن وجهة نظر واحدة أو تيار واحد. هذا بالتأكيد انتصار أو خطوة أولى في اتجاه انتصار إرادة المصريين». وأعرب عن أمله في «أن تعي جماعة الإخوان وحزب النور الدرس ويدركا أن الحكم بمثابة مخرج كريم لهما لإعادة تشكيل تأسيسية الدستور بناء على حكم قضائي وليس خضوعاً لإرادة الأقلية كما يرددون، إضافة إلى أنها فرصة جيدة للتنسيق مع القوى الثورية واستعادة الحساسية السياسية التي فقدوها منذ حصولهم على الغالبية البرلمانية».