قبل نحو 10 أيام، نشرت مجلة «در شبيغل» الألمانية ما يُفترض أنه تحقيق أعدته أولريكه بوتس، عن جلاّد من بابا عمرو في حمص يستشفي في مدينة طرابلس اللبنانية. يقول حسين، الجلاد المزعوم، إنه خلافاً لغيره لا يجد مشكلة في القتل بيديه، لذلك أوكل إليه رفقاؤه مهمة الجلاد، «فهذا شيء مناسب لمجنون مثلي». ويكاد حسين أن يعتذر عن ذبحه أربعة أشخاص فقط، هذا لأنه تعطل بسبب تعرضه للإصابة أكثر من مرة، لكنه يؤكد قتل عدد أكبر برشاش البي كي سيه، فعلى نحو ما يتعلم الأطفال الفرنسيون الفرنسية «تربينا نحن السوريين على لغة العنف، ولا نتكلم لغة أخرى». يبدو حسين، ورئيسه أبو رامي، الذي نقلت بوتس عن لسانه أن سورية ليست بلداً لأصحاب المشاعر المرهفة، أقربَ إلى مخلوقات للصحافية الألمانية منهما إلى أي شيء يشبه إسلامياً متشدداً. وأنْ ينبع العنف من تكوين المسلمين وطبيعتهم هو ثيمة لطالما ألح عليها إعلاميون وأكاديميون غربيون. وليس في نشر هذه المادة في الصحيفة الألمانية الأوسع انتشاراً ما يمنحها صدقية خاصة، ولكاتب هذه السطور خبرة شخصية مع قلة أمانةِ صحافيٍّ معروف في «درشبيغل»، تراوحَتْ بين الاختلاق التام والتزوير الفادح، ولم يتكرم وقتها بالرد حين واجهْتُه بالأمر وطلبت اعتذاراً. هذا للقول إنه ليس ل «در شبيغل» صدقيةٌ خاصة تعضد ركاكةَ مادة الصحافية الألمانية. مثل هذه المواد يُفسِد بالتسييس أو بالهوى الأيديولوجي، حاجةً حيوية إلى نقد ممارسات غير إنسانية فعلاً وإدانتها، ويتواتر أن تقوم بها أطراف محسوبة على الثورة السورية، ويُضعف الأساسَ المعلوماتيَّ الموثوق الذي يمكن أن تعتمد عليه إدانة هذه الممارسات. من جهة أخرى، ليس لأن هناك ممارسات كهذه ينبغي السكوت عن مثل تحقيق بوتس، ولا لأن هناك مواد كهذه ينبغي السكوت على تجاوزات تبدو مرشحة للتكاثر مع تطاول أمد الثورة وإمعان النظام في الوحشية وتكاثر مجموعات المقاومة. هناك بالفعل معلومات متزايدة في هذا الشأن. في 22/2/2012، صدر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» تقريرٌ وجيز يتضمن انتهاكات قامت بها مجموعات عسكرية مناهضة للنظام، بعضها منضوٍ تحت مظلة «الجيش الحر» وبعضها ليس كذلك. ومن تلك الانتهاكات تعذيب أسرى، بذريعة أنهم من الأمن والشبيحة، ومنها إعدام بعضهم، ومنها حالات خطف وطلب فدية، ومنها ما كان ذا طابع طائفي واضح. وقالت سارة ليا واطسن، المسؤولة عن قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إن «أساليب الحكومة السورية الغاشمة لا يمكن أن تبرر ارتكاب جماعات معارضة مسلحة لانتهاكات». وطالبت «قادة المعارضة أن يوضحوا لتابعيهم أن عليهم ألاّ يعذبوا أو يخطفوا أو يعدموا أحداً مهما كان السبب». قبل ذلك بيومين، في 20/2/2012، كان تقرير أوسع من اللجنة الدولية المستقلة المخولة من الأممالمتحدة التحقيق في شأن الأوضاع الإنسانية في سورية، افاد بأن أعضاء من الجيش الحر في حمص عذّبوا وأعدموا من يشتبه في أنهم شبيحة، وأنهم شنقوا مشتبهاً في عمله مع أجهزة الأمن أواخر الشهر الأول من هذا العام (الفقرة 114). ومثل ذلك تقوله الفقرة 119 عن ممارسات في تلبيسه وريف دمشق. وتكلم التقرير أيضاً على معلومات تفيد بأن أعضاء في الجيش الحر خطفوا عناصر أمن أو أفراداً من أسرهم أو مواطني دول أجنبية بعينها (إيرانيين) لمبادلتهم بموقوفين عند النظام، وهو ما اعترفت به قيادة الجيش الحر بحسب اللجنة الدولية، وسوّغته بأن هؤلاء مقاتلون أجانب (الفقرة 117). وتفيد الفقرة 118 بأن مدنيين مسلحين، بينهم من هم منتمون إلى الجيش الحر، يسعون وراء الثأر بقتل أفراد من الأجهزة الأمنية أو الشبيحة. يحرص تقرير اللجنة الدولية على القول إن انتهاكات المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة لا تقارن في نطاقها وفي تنظيمها بتلك التي يقوم بها النظام، لكن هذا عزاء شحيح للثورة، فليس ثناءً على أحد أن يقال إنه ليس مِثل نظام مجرم ما انفك يقتل محكوميه منذ نحو 13 شهراً. الجدير ذكره أن روسيا والصين استندتا في حينه إلى هذه الفقرات للقول إن ما يجري في سورية هو صراع مسلح بين طرفين، وليس قمعاً وحشياً للسكان المدنيين يقوم به النظام. وفي الوقت ذاته تقريباً، أصدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي إنترناشونال) تقريراً بعنوان «أردتُ أن أموت»، يقول إن هناك انتهاكات ارتكبها أفراد من المجموعات المسلحة، منها خطف وقتل أشخاص أو أقرباء لهم، بذريعة دعمهم الصريح للنظام أو تجندهم في عصابات الشبيحة. «أمنستي» توضح أن الأكثرية الساحقة من الانتهاكات ارتكبتها أجهزة النظام. ولكن مرة أخرى، ليس في ذلك ما يعزّي. ويستحق الأمر انتباهاً متزايداً من الثائرين، ومن «الجيش الحر»، ومن «المجلس الوطني» أو أي مجموعة سياسية مرتبطة بالثورة، وإدانة قاطعة لممارسي هذه الانتهاكات. أن يكون السوريون على حق في ثورتهم لا يكفل في شيء أن يكونوا على حق في كل ما يفعلون. عدالة الثورة لا تسبغ عدالة تلقائية على كل ما يقوم به الثائرون. ولا يكفي أن يكون المرء ضحية الظلم حتى يكون منصفاً. قبل شهور، وقبل أن تتكلم أي جهة محلية أو دولية على انتهاكات حقوقية تقوم بها مجموعات محسوبة على الثورة، فكرنا في رصد منظم لهذه الانتهاكات، ثم وضعها في أيدي الفاعلين العامين. لكن هذا الاقتراح انحل في الامتعاض من المكون المسلح للثورة. لم يكن ظهور هذا المكون خياراً لأحد، واليوم لا يقع الخيار المثمر بين وجود وعدم وجود مقاومة مسلحة، بل بين مقاومة مسلحة منظمة ومقاومة مسلحة غير منظمة. المسلك الأخلاقي لا يتمثل في مثل وضعنا برفض التعاطي مع واقع قائم، بل بالعمل على ضبطه، إدارياً وسياسياً وفكرياً وأخلاقياً. وأن تكون مجموعات المقاومة المسلحة متعددة ولا مرجعية موحدة لها، ولا تنضبط بعقيدة عسكرية محددة، أمر موجب أكثر للتنظيم. المزيد من الإحاطة السياسية بالوضع الخاص للثورة السورية، هو ما يتوافق مع مزيد من التأثير الأخلاقي والحقوقي عليها في اتجاهات تتوافق مع قيمها المفترضة.