قام وفد من الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط بزيارة استثنائية للعاصمة الأميركية تهدف الى اقناع الرأي العام الاميركي بأنهم «لا يشكلون تهديداً» لحقوق المرأة والأقليات واسرائيل. وعسكت بإطارها الواسع التحولات السياسية في موازين القوى التي تشهدها المنطقة ومحاولة إدارة باراك أوباما التأقلم معها وإبقاء الجسور مفتوحة مع اللاعبين كافة. وبرز ضمن الوفد مندوبا حركة «الإخوان المسلمين» في مصر، اللذان شاركا أيضا في الاجتماعات مع مسؤولين أميركيين «على مستوى عملي» في البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وجاءت زياة الوفد المؤلف من عشرة مندوبين عن حركات إسلامية بناء على دعوة من مركز «كارنيغي» للسلام الدولي وللمشاركة في مؤتمره «الإسلاميون في السلطة: آراء من الداخل» الذي عقد أول من أمس في واشنطن. وتضم لائحة المشاركين الشخصيات التالية: من مصر عبد الموجود راجح درديري وخالد القزاز، وكلاهما عضو في حزب الحرية والعدالة (التابع للإخوان)، ومن تونس عضوا المجلس الوطني عن حزب النهضة صبحي عتيق وأسامة الصغير، ومن الأردن عضو «الاخوان» نبيل الكوفحي، ومن ليبيا عضو «الاخوان» محمد جعير، ومن المغرب مصطفى الخلفي، الى جانب ثلاثة وجوه اقتصادية متصلة بحركات اسلامية من تونس ومصر والأردن. وتعتبر زيارة الوفد، في اطارها السياسي، الأولى من نوعها على المستوى الرسمي لحركات إسلامية عربية تزور الولاياتالمتحدة، إذ حتمت تحالفات ما قبل الربيع العربي. وحذر واشنطن من فتح قنوات اتصال مع «الاخوان» وغيرهم لعدم إثارة استياء الحكام السابقين في مصر وتونس وليبيا، ديناميكية سياسية مختلفة في التعاطي بين الجانبين. ولا يزال هناك قلق أميركي كبير من مواقف هذه الحركات حيال حقوق الأقليات ومسائل ترتبط بالأمن الإقليمي والعلاقة مع إسرائيل، انما في الوقت نفسه هناك رغبة أميركية بالتواصل معها كقوى أساسية في الحكومات الأولى بعد الثورات وممثلة لشعوب المنطقة. وأكد مسؤول في البيت الأبيض ل «الحياة»، أن «مسؤولين على مستوى عملي من مجلس الأمن القومي اجتمعوا بأعضاء في الوفد»، وأن «من مصلحة الولاياتالمتحدة الانخراط مع جميع الأطراف الملتزمين المبادئ الديموقراطية، خصوصاً اللاعنف». كما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» أن نائب رئيس قسم الدراسات في «كارنيغي» ووزير الخارجية الأردني السابق مراون المعشر ترأس اجتماعاً للوفد في وزارة الخارجية الأميركية مع نائب الوزيرة وليام بيرنز. وتعرضت الإدارة الى انتقادات من اليمين المتشدد لاستقبالها الوفد، وعنونت مواقع يمينية مؤثرة مثل «درادج ريبورت»: «اسلاميون في البيت الأبيض» تحت صورة لأوباما وهو يزور مصر عام 2009. وردت الادارة بالاشارة الى أن قيادات من الحزبين عقدت اجتماعات مع الحركات الاسلامية، بمن فيهم السيناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام. كما لاقى زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي انفتاحاً من قطبي المؤسسة السياسية الأميركية خلال زيارته لواشنطن قبل شهرين. وطوال الزيارة الحالية، حاول المشاركون، خصوصاً ممثلَي «الاخوان» في مصر، درديري والقزاز، اللذين يتكلمان الانكليزية بطلاقة، إعطاء طابع معتدل عن الحركة وتوجهاتها السياسية، فكان هناك التزام بدستور «توافقي»، والعمل ضمن القواعد الديموقراطية و «ضد الدولة الدينية والدولة العسكرية»، كما كان هناك إدراك نوعي في مخاطبة الوسط الأميركي لجهة التزام حقوق المرأة ونبذ العنف والتطلع نحو الأسواق والتجارة الحرة، الى جانب التأكيد أن التعامل مع الشريعة الإسلامية هو من منطلق «المبادئ وليس القوانين». واعتبر القزاز ان ثمة «سوء تفاهم» في شأن الشريعة الاسلامية في العالم الغربي، موضحاً ان «المادة الثانية من الدستور التي تجعل من الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع بطاقة هوية مقبولة من جميع المصريين». وأكد ان «الوضع مشابه جداً في أوروبا وفي الولاياتالمتحدة، حيث يدرج عدد من الاحزاب الديانة في سلم قيمها». وقال إن الشريعة «تقول ما هو جيد وما هو سيء. وهي لا تتناقض مع الحرية والعدالة والديموقراطية ودولة القانون». كما غاب الكلام المتشنج عن إسرائيل، وكانت هناك إعادة تأكيد على أن الحركة لن تبطل العمل باتفاق السلام بين مصر واسرائيل. وعندما سئل درديري عن تصريحات في الماضي لقيادات في «الاخوان» في مصر تدعو الى محاربة اسرائيل والعداء ضد الغرب، كان رده أن «ما يقال أحياناً من وراء قضبان السجن يختلف مع خارجه»، في إشارة الى أن الظروف تغيرت بين مرحلة ما قبل 25 كانون الثاني (يناير) عام 2011 في مصر، وبين المرحلة الحالية، حيث تحظى الحركة بأكثرية نيابية وتخوض الانتخابات الرئاسية.