أن تجيب بنعم على هذا السؤال تبدو كمن يزرع أوهاماً ويطلب هدفاً بعيد المنال، فثمة معوقات كثيرة تحول دون تطور النظام العربي العاجز والذي عرف منذ زمن طويل حالة من الجمود والتردي، ليغدو قادراً على لعب دور رافد للثورات العربية ولرياح التغيير التي تهبّ على منطقتنا. لكن الجديد اليوم هو أن الشارع العربي تحرك، وصار أمراً حيوياً أن تأخذ الحكومات العربية في الاعتبار مواقف الناس وتطلعاتها، إن لم نقل إنها مكرهة على ذلك بحكم تصاعد الزخم الشعبي الذي بات يهدد وجودها واستقرارها، لنلمس في سياق الاجابة عن السؤال السابق بعض المؤشرات التي تدل إلى أن النظام العربي الرسمي لم يعد في إمكانه الاستمرار على نهجه القديم وقممه الشكلية. أولاً، تبدل تركيبة الجامعة العربية بعد ثورات أطاحت أنظمة قديمة وأرست حكومات تستمد شرعيتها من قواعد الحياة الديموقراطية ومن رضا الناس، وإذا أضفنا الإجراءات الاصلاحية الاستباقية التي بادرت الى انجازها بعض الأنظمة العربية للتلاقي مع مطالب المجتمع وحاجاته بما هي محاولة لإعادة صوغ شرعية تستند أيضاً إلى الثقة التي تمنح لها جراء دورها المسؤول وما تقدمه للبشر لصيانة حقوقهم وحرياتهم وضمان عيشهم الكريم، نقف أمام أكثرية جديدة داخل النظام العربي الرسمي تمثلها حكومات باتت أكثر حساسية لمطالب الشعوب وطموحاتها. ثانياً، الموقف من الثورتين الليبية والسورية، والذي تجاوز أحد بنود ميثاق الجامعة العربية، وهو الحرص على عدم التدخل في الشؤون القطرية للدول الأعضاء أياً تكن الأسباب والحيثيات، فقد عودنا النظام العربي على النأي بنفسه عن اتخاذ موقف حيال الأوضاع الداخلية في أي بلد عضو، لكن طابع الثورات العربية المفعمة بمطالب محقة ومشروعة وبزخم شعبي عفوي غير مسبوق، ربطاً بتنامي الضغط الأخلاقي للرأي العام واشمئزازه من استخدام العنف المفرط من النظامين الليبي والسوري، لم يتركا مجالاً لاستمرار حياد الجامعة العربية وشجعاها على طلب حماية المدنيين وتطبيق حظر جوي في الوضع الليبي مهّدا لتدخل عسكري سمح للمعارضة بحسم الصراع، تلاه، وبعد تأخر وتباطؤ غير مبررين، موقف من الحالة السورية لم يصل إلى المطالبة بتدخل أممي مباشر، بسبب تعقيدات الوضع السوري وخصوصية تحالفاته وتشابكه مع عدد من الملفات الحساسة، فاكتفى العرب بإعلان مبادرة لوقف العنف ودفع الأمور نحو حل سياسي، وساهم فشل مبادرتهم ثم عجز مجلس الأمن عن اصدار قرار يدين العنف المفرط ويدعو لحماية المدنيين بسبب الفيتو الروسي، في لجوئهم إلى مؤتمر أصدقاء الشعب السوري ثم إلى دعم خطة كوفي عنان، كنافذة لاستمرار دورهم في مساندة مطالب الناس وردع لغة القمع والقوة. ثالثاً، تعليل مواقف النظام العربي الجديدة تجاه ليبيا وسورية وبخاصة لجهة تعليق عضويتهما، بأنها تأتي في مواجهة ما يقترف من انتهاكات لحقوق الإنسان وفي سياق التشديد على الالتزام بالقيم والشرعة الدولية، وهي سابقة لافتة، حيث لم نشهد في ما مضى أي دور جدّي للجامعة العربية في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته، وربما يصح الاستناد إلى ذلك كمعيار جديد في قبول عضوية المنتسبين إليها، وتصحيح دورها ضمن محيطها العالمي بتكامله مع المؤسسات والقوانين الأممية. واستناداً إلى ما سبق وفي ضوء التغيرات التي ترافق الثورات العربية، يصح طرح السؤال ذاته بصيغة مختلفة، هل يمكن أن نقف في فترة غير بعيدة أمام نظام عربي يؤمن كل أعضائه بأن الحياة الديموقراطية، بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، هي الطريق الأمثل الذي ينبغي للدول تطبيقه، وبأن ثمة واجباً متكاملاً لهم في السعي من أجل تسريع التحولات الديموقراطية وتعميقها، بمساعدة المترددين على إسراع الخطى، وردع منتهكي القيم الديموقراطية والإنسانية عن المضي في انتهاكاتهم، ام سيبقى النظام العربي على سابق عهده أسير الأغراض الضيقة للأنظمة العربية، ما يسرّع الاستغناء عن خدماته لمصلحة منظومة مختلفة تماماً. وبالتالي، هل تنجح التطورات الحاصلة في الضغط لإعادة تعريف الجامعة العربية وتجديد دورها ومسؤولياتها، بما يعني تفجير ثورة داخلها وإجراء إصلاحات جذرية على عملها وهيكلتها وأهدافها تنسجم مع تطلعات الشعوب وآمالها، بخاصة لجهة بناء آليات مراقبة ومتابعة في سائر المجالات والميادين، مثل رصد تقيد الحكومات بحقوق الانسان وبإجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة مؤشرات الحرية على صعد حرية المعتقد والرأي والتعبير والعمل السياسي والإعلام. والحال، إن ما يتفق مع مصالح الشعوب العربية وطموحات ثوراتها، ليس نظاماً رسمياً عربياً يجدد الفساد والقمع والتخلف وإنتاج الأزمات، بل نظام يكون محصلة لحكومات وزعامات منتخبة وقادرة على ضمان حريات الناس وحقوقهم ومعالجة أزمات مجتمعاتها من الجذور. وما يزيد من إلحاح الحاجة الى هذا الجديد تعاظم التحديات التي تعترض العرب وتكاثر الدول والقوى الطامعة في ثرواتهم وامتصاص ما تبقى من طاقتهم، والأهم تنامي التدخلات الخارجية الفظة والسافرة للسيطرة على المنطقة، تبدأ بإيران وتركيا وإسرائيل مروراً بروسيا والصين وتصل إلى أوروبا وأميركا، وكلها أطراف قوية ترغب وتعمل ليل نهار على حالة العرب الضعيفة لاقتطاع حصص نفوذ والتمكن من التحكم في شؤونهم ومصيرهم! * كاتب سوري