تتنامى في الوطن العربي مشاريع ساعية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموروث الشعبي، وتحويله إلى جزء من ذاكرة الشارع العصري، والاستناد إليه في إعادة صياغة مفاهيم وثقافات وسلوكيات من شأنها تعزيز روح المواطنة، ورفع مستويات الاحترام المتبادل لموروث كل بقعة جغرافية، هذا ما يحدث حالياً في السعودية من خلال مشروع «سعفة بنت الوطن». وصعدت «سعفة» على مسرح الوعي السعودي العام الماضي بمواصفات امرأة في ال50 من العمر، حديدية الذاكرة، حريرية القلب، ذكية اللفظ، لماحة القول، متحمسة لنفض غبار النسيان عن موروث السعودية، مشغولة بحقن الأحفاد بتاريخ الأجيال، وتتمسك بقديم اللباس، والطبخ ، واللهجة، وموسوعية المعرفة، وتطمح إلى إعادة صياغة وتسويق القديم بصيغة عصرية تتوافق مع طفرة التكنولوجيا. وكان البحث عن أسباب تكامل صورة «سعفة بنت الوطن» وقدرتها على تحقيق رفع سقف الوعي الجمعي بالموروث السعودي يستوجب البحث عن بناة المشروع وإدارته، فكان الجواب موجوداً على ناصية أحد طرقات مدينة جدة، حيث يتموضع مكتب مكتظ بشبان وفتيات مفعمين بالإبداع والنشاط، ممتنين للراحلة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز، بصفتها المؤسس الأول لمشروع «سعفة». ويتطرق مدخل مكتب فريق «مشروع سعفة بنت الوطن» فيسكن نظرك عند أول خطوة ولوج «سعفة بنت الوطن» صورة على حائط تكاد أن تمد يدها ترحيباً بزائرها، مع أهلاً وسهلاً بلهجة محلية، لم تنطق الصورة، لكن كان كذلك الإيحاء. يقول المدير التنفيذي لمشروع «سعفة بنت الوطن» منصور آل نميس: «هنا سعفة بنت الوطن، السيدة التي كانت رسماً على ورق قبل عامين، لتصبح بدعم كبير، هي المتحدث الشعبي باسم التراث والحضارة والمستقبل في بلادنا». وعبر الواجهة الزجاجية التي تعكس روح الفريق الواحد وشفافيته، يجلس مجموعة من الشبان السعوديين يشرفون على مشاريع سعفة التقنية، يرتدون ثياباً حديثة، ويبتسمون لصباحهم، وهم يردون على أكثر من ألفي استفسار شهرياً، عن أسئلة تأتيهم من كل أنحاء العالم، عبر مواقع مشاريع «سعفة بنت الوطن الاجتماعية». ويقول الفريق المشارك في بناء الشخصية الدرامية لشخصية «سعفة بنت الوطن»: «نعمل حالياً على إظهار سعفة درامياً بفريق من المبدعين، ونرى أنها خطوة كبيرة لنا لإثبات أن سعفة بنت الوطن، يمكنها الحضور بوعيها وفريقها في كل القضايا الاجتماعية». ويسترجع المدير التنفيذي لمشروع «سعفة بنت الوطن» ذكريات أكثر من 800 يوم منذ خروج سعفة للوجود، «كان خيارنا أن تكون «سعفة بنت الوطن»، جذورها في الماضي وفروعها في المستقبل، وكنا نريدها سيدة تتقن كل لهجات بلادها، وتهتم بكل منطقة ومدينة وقرية وهجرة، وتسهم في قراءة المستقبل عبر بوابة التقنية، لجيل يستطيع بنقرة واحدة أن يحتسي قهوة الحديث والمشاهدة مع أناس يبعدون عنه آلاف الأميال». وبالعودة إلى آل نميس وسؤاله عن كلفة المشروع والأهداف منه والدعم الحكومي والاجتماعي، يقول: «لولا شخصيات تبنّت وآمنت بالمشروع ربما لم يكن ليرى النور، وحالياً نتعاون مع بعض الجامعات الأهلية، وبفريق من الجنسين، لبلورة جهد إبداعي معني بالتفكير الاستراتيجي، والتخطيط لتحويل مشروع «سعفة بنت الوطن» إلى قيمة اقتصادية وتربوية أكبر»، لافتاً إلى أن فريق المشروع يبلغ 36 شخصاً.