القلب قبل اللقب، العمل قبل الاسم، الوطن قبل الولد، ثلاثة مسارات في حياتها انتهت بها إلى أنموذج لكيفية قدرة إنسان واحد على إحداث تغيير إيجابي في ثقافة وتطبيقات مجتمع ينشد مزيدا من التمدن، فكانت الأنموذج العربي الأكثر استحقاقا للمتابعة صاحبة السمو الأميرة نورة بنت عبد الله بن محمد آل سعود. يصعب فهم إصرارها على التخفي خلف جدران أنشطة لا تخفى، وليس من السهل ملاحقة منهجها الرامي لتحويل أنشطتها وأفكارها مشاع للعامة وكأنها غابة تشارك في زراعتها المجتمع قاطبة، فلا أنانية، و لا كبرياء، واستحواذ، أو حتى البحث عن أوسمة إعلامية. شيدت قلعة من المتطوعين تحت مظلة نادي «لبيه التطوعي» ، لم يكن ذلك اسما، بقدر كونه استجابة لنداء الوطن عندما اختارت أودية جدة استعادة دروب أجدادها من تحت أقدام بنايات أسمنتية غرستها جشاعة جمع المال، وإغماضة عين الرقيب، حينها رمت الأميرة بيديها في نشاط مرهق لمدة اثنتي عشرة ساعة يوميا تتوزع بين تغليف سلال غذائية، حقائب ملابس، نجدة للمتضررين، ثم كررتها لعدة أيام مماثلة مرة ثانية بعد عام عندما عادت مياه أودية جدة تؤكد نواياها باستعادة مساربها، بينما كان قلب الأميرة خلال التجربتين يعاني قسوة القلق على أم تسكن سريرا أبيض من عدة شهور، يقتات على جسد الأم، ودموع الابنة. استمدت الأميرة نورة عشق الوطن من أمها صاحبة السمو الملكي صيته بنت عبد العزيز، بنت المؤسس، وشقيقة الملك، فوسمت كل مشاريعها برعاية الأم، كصيغة دعاء لا ينقطع، يعرج نحو السماء ببطاقة مكتوب عليها «اللهم أشف الأم من كل ألم»، بعد أن يكون على الأرض منهج يستحق التكرار، بينما تكتفي الأميرة نوره باستجابة كبيرة بحجم استمرار قدرة الأم على مرور الهواء من خلال جسدها والتسبيح. من جوار سرير أبيض يحتضن والدتها، وعبر هاتفها المحمول أنتجت الأميرة نوره مبادرات بيضاء تصدرها مشروع «سعفة بنت الوطن» المبني على مبدء تسويق «محلي و عالمي» لموروث سعودي متنوع، بطريقة عصرية تحوله إلى سبل حياة أفضل تحقق منافع شتى للوطن و المواطن. تحتضن «سعفة بنت الوطن» مشاريع تهدف لتطوير الموروث السعودي من خلال إعادة الحياة لقوائم لباس وطعام ومعارف عاشت عقودها الأخيرة محاصرة في مساحات صغيرة من الذاكرة والجغرافيا، ومهددة بانقراض لا حياة بعده، مستهدفة في خطوتها الأولى فتح نوافذ نور من الوعي بين السعوديين أولا، ثم السفر نحو أفق عربي وعالمي، وهو ما تحقق فعليا عندما احتلت أزياء سعفة أجساد عارضات عالميات على «كات واي» في نيويورك. عادت أزياء سعفة من رحلتها الدولية فصعد للعالمية مشروع «ويكيبيديا» الهادف إلى زراعة الجفاف المعرفي حول السعودية بحقول خضراء تتحدث عن زوايا غارقة بالخصوصية لكل زوايا السعودية، بينما تتقمص «سعفة» في كل إطلالة جزءا من الوطن بلبسه و طعامه و عادته، حتى الأمثال والحكم تم استخراجها من مقبرة النسيان وباتت تتردد بلسان الأجداد صوتا ومعنى. اختارت الأميرة نوره العودة إلى الجذور من أجل بناء أكثر رسوخا، فالموروث «حياة» نسميها «تراث» وهو جزء من «حضارة» متكاملة، ويستوجب الوصل بنا إلى «مستقبل»، في حين تتدثر الأميرة بطاقية «إخفاء» تحجبها عن أنظار المتربصين خيرا أو سوء بالعقل الحقيقي الباني لثقافة المسؤولية الاجتماعية في السعودية. يصعب الرهان في هذه اللحظة معرفة أين تجلس الأميرة نورة ربما أقرب الاحتمالات بجوار والدتها لكن من السهل التخمين بأنها تمارس تفكيرا عميقا في مشروع جديد يبني سماء جديدة تتهيأ لاستضافة خطوة جديدة نحو مجتمع أكثر تمدنا.