تمكّنت مسرحية «صهيل الطّين» (مسرح الشارقة الوطني/1975)، من حصْد خمس جوائز في «أيام الشارقة المسرحية»، وفي مقدمها جائزة أفضل عرض متكامل (إخراج محمد العامري)، ثم أفضل نصّ، وممثل دور أول، وإضاءة، وديكور... ويبدو أن العرض بُني على أساس يُمكِّنه من نَيل هذه الجوائز، على رغم بعض الإشكاليات، ومنها ضعف الممثلَين الرئيسيَّين (الأب، الابنة) في أدائهما للحوار بينهما، الحوار الذي يُعدّ مفصل النص (الكاتب إسماعيل عبدالله)، في صراعه لتشكيل رؤيته حول الأُبوّة وسيطرتها، ليس السيطرة التقليدية، بل هي رغبة الأب في نحت الطين بعد تجميعه ليصبح بشراً مُتحجّراً، من دون أيّ أمل في حركته اللاحقة. في «صهيل الطين»، يحضر الممثل كتمثال طينيّ على الخشبة، تصنعه امرأة، تحت رقابة صارمة من أب، أقرب إلى الشخص الساديّ في تسلُّطه منه إلى الأبوّة، وقد تكون علاقة الأبوّة هذه منفيةً أو متخيلة، لكنها تُذكّر في نهاية المشاهد بالرغبة العارمة في قتل الأب وإقصائه. وما أضاف إلى النصّ حيويته، هو حركة الممثلين - التماثيل الراقصة، بطينيّتها الخشنة، ولا يمكن فهم تلك الحركة إلا من خلال الرؤوس المقطوعة على كرسيّ الأب الكبير، وصناعته للصلصال على طاولة صغيرة أمامه، هل هو القاتل أو هو مجرد نحّات يُذكّر بالقاتل؟ وضع العامري في تصميمه للديكور سلاسل متدلية من السقف، ما يُؤكّد أن الأب لا يسجن هنا إلا ذاته، فلا فاصل بينه وبين سجينه، سواء الابنة أو التماثيل التي تتحرّك خفيةً، وتبدأ بالنطق في مشاهد لاحقة من العرض. وأعلنت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأيام نتائجَها، في ختام دورتها الحادية والعشرين تزامناً مع يوم المسرح العالمي، وخرجت اللجنة التي ترأسها السوري فرحان بلبل بجملة توصيات، منها ما يُؤكّد ضرورة الاهتمام بتطوير الإلقاء الفصيح للممثل، والابتعاد عن ذكر عبارات لا تليق بالخشبة، والمقصد هنا تلك العروض التي تحتفي بلهجتها المحلّية. «من هبّ ودبّ» مُنحت جائزة أفضل إخراج لمسرحية «ألف ليلة وديك» (مسرح دبي الأهلي/ 1981)، على رغم أن مسرح رأس الخيمة الوطني، كان قدّم رؤية إخراجية ناضجة، في مسرحية «من هبّ ودبّ»، دُرست معها الحركات على الخشبة، وبناءً على مسار النصّ المتماسك والواقعي. ويُحسب للأيام اهتمامها بالممثلين الصغار، وطرحها جائزة أفضل ممثل واعد، إذ يبدو المخرج عبدالله زيد (مسرح دبا الحصن/ 1985) مهتماً بتطوير مهارات الأطفال التمثيلية في منطقته، فنال الطفلان الممثلان في عرضه «النطاح» جائزة هذا العام. عالجت مسرحية «زهرة مهرة» (مسرح عجمان) قضيةً اجتماعية مُلِحّة، وهي فساد موظف حكوميّ، واستغلاله أرملتين، تسعيان إلى نيل سكن تمنحه الدولة لزوجات المتوفين. هذا العرض، على رغم إغراقه في السخرية والضحك، يُشكّل مخرجاً مهماً للنص الإماراتي من مأزق اللغة الفصحى والتمكّن منها إلقاءً، بذلك الشكل المقنع والانسيابيّ، لكنّ بشاعة سينوغرافيا هذه المسرحية، غطّت الأداء التمثيلي العالي للممثلين، ولا سيما هذا التقمّص المحترف الذي أدّاه ممثلان على الخشبة لشخصيتَيْ أرملتين مضجرتين، وذهبت جائزة أفضل ممثل دور أول إلى إبراهيم سالم عن دوره في «زهرة مهرة»، مناصفةً مع أحمد الجسمي عن دوره في مسرحية «صهيل الطين». أقامت «الأيام» يوم وفاء للشاعر الإماراتي الراحل أحمد راشد ثاني، لكونه مؤلّفاً مسرحياً مع انّ بعض نصوصه لم يتمّ تداولها بالطريقة ذاتها التي كانت مع شعره، كما أن كثيراً من مخطوطاته المسرحية، لم تُطبع بسبب عامل تمرُّد النص. وعقدت الأيام لقاء لمجموعة من الطلاب المسرحيين الذين أحرزوا الدرجات العليا في معاهدهم عام 2010، تحت عنوان «لقاء الشارقة لأوائل المسرح العربي». النصّ الإماراتي «طورغوت» للشيخ سلطان بن محمد القاسمي (حاكم الشارقة)، قُدِّم في يوم المسرح العالمي، يوم ختام الأيام، وعلى رغم الإخراج الحكائيّ للمخرج التونسي المنصف السويسي، إلا أن النص تمتّع بكلاسيكية تأريخية، تعود إلى واقعة عام 1010، إذ يشرح النص المسرحي المُؤلَّف من أربعة فصول، تمكُّنَ الإسبان من اغتنام فرصة ضعف الأمير محمد بن حسين، الأمير التاسع عشر من السلالة الحفصية (حكّام تونس)، وانشغاله بالملذّات، ليستولوا على معظم مناطق شمال إفريقيا، إلى لحظة ظهور طورغوت العثماني، في هذه الأعوام ليُخلّصهم من الإسبان. تبدو شخصية طورغوت أسطورية على رغم واقعيّتها، وقد دُعم النص الصادر عن منشورات القاسمي أخيراً، برسوم لبعض الشخصيات مثل: جيان دي للافاليتي، والأميرال أندريا دوريا، وخير الدين بربروس، وجيانتين دوريا... وعدد من الخرائط، التي إن لم توجد جميعها في النص المطبوع، فهي ظهرت كخلفية على الشاشة السينمائية في العرض. النص المحلي يبدو المسرح الإماراتي جادّاً في محاولته الإخلاص للخشبة، لكنه لا يزال يعارك وعيه للطريقة التي يجب عليه الظهور بها، وأفضل العروض تلك التي بُنيت على نصّ محليّ، يُلامس الواقع الإماراتي، المُذكِّر بالبحر، وبالبيوت الطينية الساحرة، بيوت تسكنها شخصيات مُهمَّشة في بعض الأحيان، ومتألّمة، تنتظر على شاطئ البحر قادماً من البعيد تحت شمس قوية. لا يتحرّج النص الإماراتي اليوم من طرح مشكلات مجتمعه حتى من جهة الفقر والتناقض لدى بعض الشخصيات بين ما تُفكّر فيه لتطوير حالتها الإنسانية، وما هو موجود أمامها، كما في عرض «إخوان شما» (المسرح الحديث في الشارقة/ 1975) الذي يعالج حالة العائلة التي لا تقبل الخروج من المنزل الواحد، لأنها مقيدة مادياً واجتماعياً من حيث عدم الرغبة في الاستقلالية عن الآخر (الأخ)، الذي يُذكّر دائماً بالأب والأم الغائبَين (المتوفين) والتمسّك بهما كجذر. ومن ناحية الإخراج، فقد يقع المرء على بعض النصوص التي تحاول إخراج صراعات المجتمع من رتابتها كما في عرض «أمس البارحة» (مسرح كلباء الشعبي/ 1980)، وفيه يبدأ المشهد برجل وامرأة متقدّمَين في السن، يجلسان في حالة نفور وعداء، يعود العمل، مشهداً تلو آخر إلى اللحظات الأولى من حياة زوج وزوجة، يعود إلى الوراء، ليُري أن ما يحدث الآن غير مُتخيَّل أو مُتقبّل البارحة. وتصل الشخصيتان إلى مرحلة من طفولة العلاقة، تعيد المرأة إلى فكرة في ذهن الرجل، لقد نفاها، خارج حياته الواقعية، كأنه يقف في حاضره ويُفكّر في محوها، متمنّياً ضمناً الموت لشريك هو عبء أبديّ.