عيون مكحلة ، وأخرى تدمع، قصائد حب وشوق، أغانٍ خالدة، ذكريات سعيدة وحزينة، أفكار مدفونة ومحفوظة، وأخيراً وليس آخر، ديون مسجلة لسدادها وحفظ حقوق الناس، وفي أحيان كثيرة سجل للعبة «البلوت»، باختصار الحديث هنا عن تاريخ يحفظه «الكشكول». الكشكول، وهو الدفتر الأكثر شهرة لدى السعوديين، يعتبر إلى حد ما «أوتوغرافاً» مبسطاً للكثير من أفراد المجتمع، له علاقة وطيدة بحياة الكثير في صغرهم، فهو يعتبر «الخازن» الوحيد والمنمي الذي احتضن، واكتشف مواهب العديد من الناس كموهبة الرسم والشعر، والخط العربي. وتبدأ نشأة الكشكول مع الفرد منذ منتصف المرحلة الابتدائية، وتستمر معه إلى ما لا نهاية، فهو «الصندوق الأسود»، للكثير من الناس ففيه تدون الأسرار، والمشاعر والقصائد بل وحتى الأغاني. ويقول المواطن محمد أحمد: «إنه دأب على كتابة أبيات لأشهر الشعراء في فترة مراهقته، إضافة إلى كتابته مقاطع لعظماء الغناء والفن مثل أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وطلال مداح، ومحمد عبده. من جهتها، تتحدث حنان سالم عن علاقتها بالكشكول والتي امتدت حسبما ذكرت إلى أكثر من 10 سنوات فقد كان رفيقها في كل مكان تقصده، مضيفة «الكشكول هو المكان الأول الذي اكتشف واحتضن موهبتي في الرسم ففي السنوات الأولى من دراستي في المرحلة المتوسطة بدأت برسم أجزاء غير مكتملة من ملامح، ووجوه لأشخاص، إضافة إلى رسم المناظر الطبيعية باستخدام أقلام الرصاص، أو الأقلام العادية برسومات كانت في بدايتها متواضعة». وتحتفظ حنان بالكشكول الذي يحتفظ بمواهبها وذكرياتها منذ 10 سنوات، إذ تتصفحه من حين إلى آخر حتى ينعش في داخلها أجمل الذكريات لأقرباء وأصدقاء فارقوا الحياة. وأضافت «في كشكولي خطت أنامل صديقاتي عبارات لي في زمن الطفولة لا تقدر بثمن، وأصبح بمثابة «أوتوغراف» ترك الزمن فيه أجمل ذكرياته». ويوضح عبد الرحمن حسن أن تجربته مع الكشكول كانت فريدة من نوعها ، إذ إنه اكتشف موهبته في كتابة النصوص الشعرية. ويقول عبدالرحمن «لطالما حلمت بأن أكون شاعراً، وحاولت أن أحقق حلمي هذا بكتابة الكثير من النصوص الركيكة والساخرة، إذ كنت ألقيها على مسامع أصدقائي في المدرسة في ذلك الوقت، إضافة إلى تسجيل حسابات لعبة « البلوت» التي بدأت في تعلمها في ذلك الوقت». ولا يقتصر وجود «الكشكول» في أيدي السعوديين فقط، بل يشاركهم المقيمون من العمالة، وبالأخص في محال التسوق الغذائي «السوبر ماركت» كونه يعد مرجعاً مهماً لتسجيل ديون الزبائن الدائمين الذين يضطرون للأخذ بالدين حتى موعد نزول أجورهم الشهرية. ولذا يتضح جلياً أن ل «الكشكول» وجوهاً عدة من حيث استخداماته وأهدافه، وما يحتويه من ذكريات تدلف بالشخص إلى حقبة زمنية ماضية.