باماكو - أ ف ب، رويترز - بعدما سيطروا على غاو عاصمة شمال مالي، حاصر المتمردون الطوارق امس، تومبوكتو، آخر مدينة في المنطقة ما زالت تحت سيطرة الحكومة، مواصلين زحفهم السريع في وجه الانقلابيين الذين أعلن قائدهم العودة الى الدستور والمؤسسات الشرعية. وأفادت معلومات ان عناصر ميليشيا من العرب الموالين، اتخذوا مواقع للدفاع عن مدينة تومبوكتو التاريخية، فيما ارتدى عدد كبير من عسكريي القوات الحكومية ملابس مدنية وغادروا مواقعهم. وأفاد سكان عن سماع دوي اسلحة ثقيلة في معسكر تومبوكتو الذي فر منه الجنود وانسحبوا من مواقعهم في النقاط الاستراتيجية في المدينة. وروى احد الشهود ان «القصف المدفعي الثقيل قوي لكن الميدان خال، ولم يبق احد». وتموقع عناصر ميليشيا عربية، من مجموعة البرابيش النافذة محلياً والموالية عادة للحكومة المركزية في وجه الطوارق، في شوارع المدينة وخصوصاً من حول المطار. وأعلن الكابتن حمادو سانوغو قائد الانقلابيين في مالي امس، «العودة» الى الدستور والمؤسسات ووعد ب «استشارة القوى الحية في البلاد» في اطار مرحلة «انتقالية» لم يحدد مدتها. وقال: «اننا نعلن الالتزام رسمياً اعتباراً من اليوم بالعودة الى دستور جمهورية مالي المصادق عليه في 25 شباط (فبراير) 1992 والمؤسسات الجمهورية». وأعلنت الحركة الوطنية لتحرير ازواد، وهي ابرز عناصر تمرد الطوارق، ان «قواتها تحاصر مدينة تومبوكتو». وأدرجت المدينة التاريخية القائمة على ضفتي نهر النيجر والواقعة على مسافة 800 كلم شمال شرقي العاصمة باماكو على لائحة التراث العالمي في اليونيسكو، وكانت المدينة الملقبة باسم «جوهرة الصحراء» محطة مهمة على طريق القوافل والسياح الباحثين عن اكتشاف الطوارق. وسيطر المتمردون ليل السبت - الاحد على مدينة غاو التي تقع على بعد 300 كلم شرقاً وحاميتيها العسكريتين بعد معارك دامت يوماً وانتهت بفرار الجيش وفق مصادر متطابقة. وعلى بعد نحو الف كلم شمال شرقي باماكو كانت غاو التي تعد نحو تسعين الف نسمة، تأوي مقر قيادة اركان القوات الحكومية في كامل المنطقة الشمالية. وأعلنت الحركة الوطنية لتحرير الازواد «التحرير الكامل» لمنطقة غاو حيث ما زالت تومبوكتو وحدها تحت سيطرة الحكومة. وتم زحف المتمردين الذين استغلوا انعدام الانضباط بين القوات المسلحة بعد انقلاب 22 آذار (مارس) الماضي، الذي نفذه جنود صف ضد الرئيس حمادو توماني توري، بسرعة فائقة. وعند بداية هجومهم منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، كانوا يسيطرون اصلاً على قسم كبير من شمال شرقي مالي وجبال افوهراس اراضي الطوارق التقليدية على طول الحدود الجزائرية. وفي ظرف ثلاثة ايام دخلوا كبرى مدن شمال شرقي البلاد التي كانت لا تزال خارجة عن سيطرتهم مثل كيدال وانغوغو وبورم وغاو باسطين نفوذهم على كل شمال شرقي البلاد الصحراوي تقريباً. وتشارك في الهجوم عدة مجموعات مسلحة الى جانب الحركة الوطنية لتحرير ازواد وخصوصاً اسلاميو انصار الدين التابعين للقيادي الطرقي عياد اغ غالي الذي كان من ابرز فاتحي كيدال. وأفادت بعض المصادر ان عناصر من «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» يشاركون في الهجوم وهو ما تنفيه الحركة الوطنية لتحرير ازواد العلمانية باستمرار. كذلك أعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا وهو فصيل منشق عن «القاعدة» يقوده ماليون وموريتانيون، مشاركتها في الهجوم على غاو. وتقاسمت تلك المجموعات المختلفة امس، السيطرة على غاو، فدخلت الحركة الوطنية لتحرير ازواد الثكنة العسكرية عند مدخل المدينة، فيما سيطر الاسلاميون على الثكنة الثانية في وسط المدينة. وقال المدعو «بلقاسم» الناطق باسم حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا: «اننا نسيطر على المعسكر رقم اثنين وقسم من غاو وهدفنا هو الجهاد وسنساعد اشقاءنا». وفتح مجهولون ابواب السجن المدني بالقوة في حين نهبت مبانٍ عامة. وأوضح علي ديارا الموظف في مقر الحاكم «رأينا عدة مشاهد نهب ورأينا المتمردين ينهبون مقر اللجنة الدولية للصليب الاحمر. ودمر البنك والخزينة مبانٍ عدة». وأفاد موظف في احد الفنادق «رأيت ملتحين يهدمون الفنادق بما فيها الذي اعمل فيه وحانات ويهتفون ان الله لا يجيز الكحول». الانقلابيون يتراجعون وأعلن الكابتن حمادو سانوغو مساء السبت انه امر الجيش «بعدم مواصلة المعارك»، مؤكداً ان «اللجنة الوطنية للاصلاح والديموقراطية (الانقلابيون) «ستحلل بوضوح الوضع خلال الساعات المقبلة». وأعلن العودة الى الدستور والمؤسسات، مؤكداً «استشارة القوى الحية في البلاد» في اطار مرحلة «انتقالية» لم يحدد مدتها. وأضاف في تصريح: «نظراً الى الازمة المتعددة الابعاد التي تشهدها بلادنا، وبهدف اتاحة المرحلة الانتقالية في ظروف جيدة والحفاظ على الوحدة الوطنية، قررنا، تحت رعاية الوسيط، فتح مشاورات مع كافة القوى الحية في البلاد في اطار معاهدة وطنية». وأوضح ان من شأن المشاورات ان تسمح «بإقامة اجهزة المرحلة الانتقالية من اجل تنظيم انتخابات هادئة، حرة ومنفتحة وديموقراطية لن نشارك فيها». وأدلى قائد الانقلابيين بهذه التصريحات الى جانب وزير خارجية بوركينا فاسو جبريل باسولي الذي يزور باماكو منذ السبت للتفاوض مع الانقلابيين حول طريقة العودة الى النظام الدستوري كما طالبت به دول المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا. وأعلنت المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (سيدياو، 15 عضواً) السبت انها وضعت قوة مسلحة قوامها الفي رجل في حالة تأهب بعد سقوط مدينة كيدال الجمعة بين ايدي متمردين طوارق باتوا يحاصرون تمبوكتو.