يقف أمام الجسر، وقد بلغ فيه الحزن على نفسه منتهاه، لا تبقى ذكرى لا تخالجه، ولا يبقى صوت لا يداعب مسامعه، ولكنه اتخذ قرار النهاية، وعزمه يسري تنفيذه على جوارحه فينفذه...! في نظر نفسه هو لم ينهِ حياة الدورة الدموية داخله، بل أنهى البؤس الذي قَطَّعَ نفسه وأنفاسه، هدير بكائه ورَحَمَ حزنه من أن يستمر فقام بالانتحار... الغريب الواقع أن الحزن ماضٍ وسارٍ، سواء مات الشخص أم حَيَا، إنما هو ينتقل من شخص لآخر، بحسب ناموس كوني دقيق لا ينحرف... ردود الأفعال حيال الحزن هي التي تختلف، وهي التي تنهيه، أو تجعله ينتصر، وإذا ما آمنَّا أن لكل معركة أدوات، فإن أدوات الحزن القتالية على النفس، بأن يصعق سمعك الداخلي، بأن لا مفرَّ ولا فائدة، وتارةَ يُرعد بالوساوس، وتارة يتسحب إليك في جنح الظلام، يضيق خناق عنقك، بشعور خوف مقيت، ويخيل لك أن المحظور قد وشك أو قد وقع. تلك أدواته، وبلا أدوات مضادة تكون من رمض المعركة قد سلَّمتَ بلدة نفسك بمفاتيحها إليه بلا أدنى مقاومة! لا يوجد معركة لا يتخللها فشل، ولا مقاومة بلا لحظات ضعف أحياناً، إنما كان الصعود والهبوط دليلاً على الحياة، لطالما عبَّر التوقف على الوتيرة الواحدة خطاً مستقيماً عن الموت. لذلك أن تحيا، يعني أن تتنوع وتقبل التنوع، ولا تقبل الوتيرة والروتين. أن تحيا، يعني أن تحارب إن أغرقتك سيول أحزانك في بحر بدوامة، جدِّف بأدوات صبر وإصرار بلا توقف، إذ إن توقفك عن المحاولة والإصرار، فتلك الدوامة لا شك تجذبك وتسحب نفسيتك لأسفل عمق... البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده، وإن أردنا استخلاص نتيجة حقيقية نخرج بها مباشرة: هو أن لكل شيء مقدمات، قد تتضح، وقد تختبئ، ومقدمة انجراف المرء مع دوامة نفسية سفلية، تدور به بالتدريج، تبتدئ مع نقطة «قبوله بالروتين»، هذه هي بداية البداية...! أي من الآن، وباستبصار أنفسنا المختلفة طبيعةً عن بعضها البعض، لنضع فوراً جدولاً مطعماً بما نعتقد أنه يحيينا، ويغير نمطية تعايشنا، مطعماً بأهداف وأدوات نقاتل ونحيا لأجلها... وهكذا بأيدينا تحريك حلوى الحياة، فتنتشر ونشعر بها. [email protected]