هذه حارة المسفلة بكل تفرعاتها وبكامل أزقتها ترتسم أمام ناظري ..وهذا هو بستان (ياخور) كما يسميه أهالي مكة وهذه أحواض الخضروات المتنوعة تتخللها (سواقي) الماء الآتي من بركة (ماجن) الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية من البستان في موقع الدفاع المدني حالياً ..هناك في زاوية من زوايا البستان وعلى (الركيب) المقابل لمستوصف المسفلة المجاور لمنزل الشيخ عبدالله عبده يماني والد الدكتور محمد عبده رحمه الله يجلس الشاب محمد عبده يماني يقرأ في كتاب استله من بين عدة كتب احضرها معه وبجواره المزارعين الذين يعملون في البستان وهو يحادثهم تارة ويمازحهم تارة أخرى ويمضي وقت الجميع في دعابات تتخلل أحاديثهم ..ثم تبدأ الشمس في الاعلان عن وقت رحيلها فيلتقط الشاب المسفلاوي حاجياته وكتبه متوجهاً إلى( دكانة) والده الواقعة في الحارة المقابلة للبستان بجوار المستوصف كما اسلفت ويبدأ عطاءً اخر لا أجد له اسماً سوى البر حيث يساعد والده في عمل الدكان وجمع أوراق أهل الحي ممن عرضوا حالاتهم على والده فيوعز إليه بما يجب ، فينفذ الابن بكل رضا وطاعة وبر فإذا ما انتهت هذه المهمة اكمل واجبه تجاه ابيه بمساعدته بترتيب موجودات الدكان وتمضي الأيام ويصبح هذا الشاب وزيراً للاعلام فإذا بالمعدن الأصيل كما هو لم يتغير على نفس المنهج السابق في البر والرضا لوالده والبشاشة والطيبة والاحسان لكل من تعوزه الأيام وتدفعه الظروف. وتنصرم السنون والأعوام ولم يتغير شيء أبدا بل زاد العطاء وزاد الاحسان والطيب والتواصل مع كافة شرائح المجتمع المكي وليس أبناء المسفلة الذين هم خاصة الشيخ الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله وقبل ليلة البارحة كان المصاب الجلل وتأكدت بعد حدوثه أن كل ما فعله الدكتور لم يكن إلا بذوراً طيبة نقية أودعها الدكتور تربة الحياة فإذا بها تينع وتزهر وتطرح ثماراً لا اشهى منها انها ثمار بأشكال عديدة بعضها دامع وبعضها ناحب وبعضها صارخ ولكنها ترمز إلى شيء واحد هو الثناء والذكر الجميل ومساء البارحة حينما كنت متوجهاً إلى الجريدة أعوزني الأمر إلى الركوب مع صاحب تاكسي وتجاذبنا اطراف الحديث فإذا به يذكر لي أن الدكتور محمد عبده يماني كان أحد العوامل الفاعلة والايجابية التي ساعدته بعد الله سبحانه وتعالى على اتمام زواجه عام 1424ه بمبلغ يوازي المهر كاملاً وبدا لي الحزن على نبرات صوته وهو يحدثني ويقول لي اسمى محمد محمد الملا ..أخيراً هل يمكن لأهل الخير ومن لهم بصمات اجتماعية وعطاءات انسانية أن يموتوا؟ ..نعم من الممكن ولكنه موت الخلود على ألسنة الذكر وصيرورة في صفحات البقاء والشكر والنقاء رحم الله الدكتور محمد عبده يماني رحمة واسعة وألهم الجميع الصبر والسلوان . للتواصل: 0509679411