ذات يوم، خلال حديث ودي مع أحد أبرز نجوم برامج الحكي السياسية على الشاشات الصغيرة العربية، أبدى الرجل بعض تذمّر وشكوى من المحطة التي يعمل فيها، عازياً الى أساليبها ما يلاحظه النقاد وبعض المتفرجين لديه من ممارسات استفزازية تحوّل الشاشة أحياناً الى ساحة صراع بالمعنى الحرفي للكلمة. خلال ذلك الحديث سئل المقدّم النجم لماذا إذاً لا ينتقل الى محطة غير المحطة التي يعمل فيها.. أفلا تأتيه عروض من آخرين؟ أجاب: «على العكس تماماً. العروض لا تتوقف. ومنها ما يبدو إلحاحاً وإغواء أكثر منه عروضاً. إذاً؟... لم لا تنتقل؟ هنا ابتسم الرجل بمرارة وقال: «السبب بسيط. إن معظم أبناء هذه المهنة، ومن الأكثر نجاحاً بينهم، يعتقدون دائماً ان الجمهور الكبير الذي تمكنوا من مراكمته مدى سنوات، من خلال برنامجهم في المحطة التي يبرزون عليها، هو جمهورهم، وأن هذا الجمهور الذي هو علامة نجاحهم واستمرارهم وصمّام أمانهم... سوف يتبعهم الى أي محطة ذهبوا. غير ان التجربة الملموسة اكدت لنا دائماً ان هذا الاعتقاد خاطئ. ومعنى هذا ان تبديل «نجم تلفزيوني» ما، للمحطة، سوف يحرمه من الغالبية العظمى من متفرجيه. وبالتالي سيكون عليه ان يبحث ويسعى طويلاً لمراكمة جمهور جديد». ويتنهد الرجل ويتابع: «وهنا تكمن المجازفة.. التي قد تقترب احياناً من حدود الانتحار المهني...». لماذا؟ يتابع مجيباً: «لأننا نعرف أن ما يحدث في عالم التلفزة هو أن النجاح، وتحديداً نجاح نجم تلفزيوني ما، ليس فقط وبالضرورة وليد جهده الشخصي، ولا براعته أو أسلوبه، أو حتى تنازلاته لمصلحة مبدأ «الجمهور عاوز كدة». مثل هذا النجاح وعلى هذه الشاكلة قد يكون ممكناً في السينما أو الغناء حيث الإبداع شبه فردي... أما عندنا، في عالمنا هذا، فإن النجاح ملك لجملة من عوامل أهمّها الظروف التاريخية وهوية المحطة... ثم قدرة المهني الجيّد على ان يتأقلم، من ناحية مع الظروف، ومن ناحية أخرى مع هوية المحطة، المرتبطة أساساً بهوية الجمهور الذي تتوجه اليه. ومن هنا إذا كنت حققت نجاحك على مدى سنوات، لدى محطة كبيرة ناجحة لها هويتها وجمهورها-الذي تساهم انت ايضاً في مراكمته انما ضمن هذا الإطار العام - ، فإن خروجك من المحطة، لا يؤذيها الا بقدر ضئيل، ولحين. اما انت فسيكون الأمر نكسة في مسارك ربما تنهيك الى الأبد، أو على الأقل لزمن طويل ان انت سعيت بجد وقوة اليأس، الى خوض التجربة من جديد في عالم آخر وأجواء أخرى. وهذا يتطلب زمناً ربما تكون فيه قد أضحيت في مهب النسيان». وإذ ختم الرجل كلامه على هذا النحو، نظر الى ساعته بيأس وقال: هيا بنا.. لقد حلّ وقت التصوير!