تنطلق القراءة الأميركية لمهمة المبعوث الأممي -العربي كوفي أنان الى سورية من اتجاهين: الأول يحرص على دعمها وكونها تحظى بإجماع دولي، والثاني يلتزم بواقعية سياسية والحفاظ على توقعات منخفضة لادارة باراك أوباما منها بسبب سلوك النظام والفجوة بينه وبين المعارضة. ومن هنا توفر المهمة غطاء زمنياً لواشنطن الى حين نضوج معطيات سياسية وشعبية تمهد لمرحلة انتقالية وخروج الرئيس السوري بشار الأسد وأركان نظامه. ويشير ستيفن هيديمان المستشار الأعلى لشؤون الشرق الأوسط في معهد الولاياتالمتحدة للسلام أن دعم واشنطن لجهود أنان جاء لسببين: الأول بسبب الحاجة الديبلوماسية لتحرك على هذا المستوى بعد فشل جهود الجامعة العربية والتحرك في مجلس الأمن الدولي واستمرار التحفظات الأميركية الكبيرة على “عسكرة الحل” ، والثاني هو لموافقة روسيا والصين على مهمة المبعوث وما سيساعد في المدى الأبعد سواء نجحت مهمة أنان أم لا في الحفاظ على الاطار الدولي للأزمة. ويقول هيديمان ل ”الحياة” أن في مضمونها السياسي تشكل مبادرة أنان تراجعاً ضمنياً في الموقف الأميركي، وكونها لا تدعو صراحة الرئيس السوري الى الرحيل ولا تشترط خروجه أو نقل صلاحياته لنائب الرئيس قبل أي حوار معه وهو ما كانت دعت اليه الجامعة العربية ومشروع قرار مجلس الأمن (مسألة التكليف) الذي تم نقضه من قبل روسيا والصين. في الوقت نفسه ما زالت الولاياتالمتحدة متمسكة بخروج الأسد ويؤكد مسؤول في البيت الأبيض ل ”الحياة” أن ادارة اوباما ما زالت تعتقد بأن “الأسد فقد شرعيته وعليه التنحي جانبا”، وينوّه بالخناق المالي والاقتصادي على النظام والعزلة الدولية والاقليمية والتي تجعل من وضع الأسد “غير قابل للاستمرار”. وبغض النظر عن تفاصيل المهمة وما تعنيه لكل من المعارضة والنظام، ينقل هيديمان عن الادارة الأميركية “توقعات منخفضة” حول فرص نجاح المبادرة الدولية بسبب رصيد النظام والفجوة الكبيرة بينه وبين المعارضة. وبالتالي يرى في مبادرة أنان “غطاء” مناسباً اليوم لواشنطن لشراء وقت ديبلوماسي يخفف من مخاطر الانزلاق السريع الى الحرب الأهلية، ويوازيه استكمال الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية على نظام الأسد الى حين تغير المعطيات السياسية على الأرض وهو ما قد يتيحه فشل جهود أنان كون المبادرة تحظى بإجماع دولي. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ربطت نجاح المبادرة ب ”أفعال الأسد وليس أقواله” وخصوصاً لجهة سحب الجيوش من المناطق السكنية ووقف أعمال العنف والافراج عن المعتقلين قبل بدء اصلاحات جذرية على المستوى السياسي. ويقول هيديمان أن هذه هي الشروط نفسها التي كان طالب بها قبل ذلك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وكذلك الجامعة العربية، وكانت النتيجة “خيبة أمل”. غير أن الخبير وهو صاحب عدة مؤلفات عن الشرق الأوسط وتاريخ سورية، لا يتوقع بالضرورة في حال فشل مهمة أنان أن يصحب ذلك تحولاً في الموقف الروسي الذي يرتبط أكثر بقراءة موسكو لمدى تماسك نظام الأسد والدائرة المغلقة حوله وبالقيادة العسكرية. ويقول أنه رغم الانتقادات المتزايدة من الكرملين لممارسات الأسد، فإن الدعم الروسي مستمر وبأشكال عدة وبسبب “استمرار تماسك النظام من الداخل”، ولا يستبعد قيام موسكو بلوم المعارضة في حال فشل الجهود الدولية. من هنا سيكون رهان واشنطن في المرحلة المقبلة على زيادة الضغوط على الأسد لاستنزاف النظام داخلياً وتفكيك الحلقة الصغيرة المحيطة بالأسد، الى جانب رص صفوف المعارضة السياسية نحو “رؤية مشتركة” تأمل كلينتون في تدشين بداياتها خلال مؤتمر اسطنبول الذي تصل اليه يوم الأحد. وفي اطار الضغوط على ادارة اوباما من الجمهوريين، طرح امام مجلس الشيوخ الاميركي قرار له صفة رمزية يرمي الى ادانة العنف الذي يرتكبه نظام الرئيس السوري وتزويد المعارضة بالسلاح. والنص الذي قدمه الاعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي غراهام وجون هوفت والمستقل جو ليبرمان، يدين «الفظائع التي ترتكبها الحكومة السورية ويدعم حق السوريين في العيش بسلام والدفاع عن أنفسهم». وفي قرارهم، يدعم الشيوخ «دعوات المسؤولين العرب الى تزويد السوريين بوسائل الدفاع عن أنفسهم ضد بشار الأسد وقواته بما في ذلك تسليمهم أسلحة».