إن خفتم ألا نعتبرها ظاهرة فذلك يحتاج رفع المعدل اللياقي لأجساد الجدية والصبر والحرص على متانة عضلات التفكير حتى نهرب من مربع الخوف، لنحسبها مشكلة طارئة بدأت تظهر على السطح بعد أن كانت منزوية خلف الأبواب الموصدة، والزنزانات الانفرادية التي لا يجرؤ فرد على كشف أسوارها لأنها في خط الممنوع، من لحظة انتهائي من مقال الأمس اتجه بي خط التفكير الشخصي بضعف عضلاته للمدن والشوارع والقرى والمنازل الموجوعة بصمت، تلك التي تخفي دموعها عن الغير، لا خوفاً من انهمار الدمع، لكن لكي لا تأتي الأسئلة الاجتماعية المعتادة القاهرة وعدد أفراد الأسرة ناقص، ليس لظرف عارض إنما لسبب مجهول أسهمت فيه خطط التعامل، وأساليب الكبت، وتكرار ال «لا» الناهية عن كل شيء تفادياً للوقوع في المحظور، ليحضر مسلسل هروب الفتاة من منزل أهلها بشكل متقطع مع هروب معاكس لسيناريو هذا المسلسل، تغادر الفتاة منزلها لتستغل اللحظات القصيرة لشعورها أن الأب «نائم» والأم «مستلقية»، تختار التوقيت الذي تشعر أن الكل عنها منشغل بذاته فيما هي على الهامش من خريطة الأسرة، احترت في هل الهروب بحث عن كمية أكسجين تعيد للروح المتعطشة حيويتها وبهاءها فتذهب للتفتيش عنها بجدية في أحضان الغريب الأكثر قدرة على ملامسة الأجزاء الرقيقة من المشاعر والأحاسيس بلا نظر للخلف؟ أم هو حب صريح للموت إذا كان يأتي بالأكسجين المفقود في ظل بحث المذكر بشتى الوسائل وخسارته المستحيل، بل القفز على كل الأسوار لتعبئة ذاته بما يحتاجه من وقود حتى لو أدت التعبئة لاحتراق المحطة؟ تصمت الفتاة كثيراً على نظرة نصف العين، وقسوة الملامسة الأسرية بكلمات الحنين ومفردات الحب لتتلقاها من الغريب على طبق من كذب وموائد من الوعود والأماني، فتسقط بمعية طموحاتها وأحلامها وبتعاون مباشر مليء بالجهل من فريق الأسرة، اكتبوا استبانة صغيرة وضعوا أصابع الفتيات عليها ليملأنها بما يجول في خاطرهن واكشفوا أن المعاناة تنطلق من المنزل الصغير، ذلك الذي يعاملهن كقدر إلهي وينتظر الفرج لهن من السماء حين تمطر لهن بقادم، كائناً من كان، اعرفوا بالخطوط الصغيرة لا العريضة أين تنحصر تطلعاتهن ورغباتهن؟ فليس تحقيق الكل من الرغبات صعباً وبذات الجرح والطرح ليس المطلب إنما الوصول للمنتصف حق مشروع وترف معيشي، لن تهرب الفتاة لحال مزاجية بحتة تأخذها من فيلم تلفزيوني أو تسمعها في نص غنائي، جزء لا يعرفها وهرب، السبب في الداخل من العقول والأجساد ومفردات العار والشرف الحاضرة في اللحظات القاتلة يمسحها من الوجد خطوات الحب والاحتواء والحنان والتقدير، وهي أضلاع مربع الاتزان وركائز قطع الإمداد عن معسكر الهروب. يفتخر صديقي بأنه قريب من أخواته الثلاث، لدرجة أنه يلبي كل احتياجاتهن ويخرج بهن للنزهة، شريطة أن يكون برفقته عائلات ثلاث حتى يحقق لهن درجات الإمتاع والاستمتاع، وكأن الفراغ الناقص كمية كلام وتعبئة مكان، أخته نطقت ذات نزهة عن سر الرحلات الرباعية التي تفشل حين تعتذر أسرة واحدة لتقول وحالها خليط بين الابتسامة والاستغراب إن السبب يعود لتغطية مكان جلوس الأسرة من أربع جهات حتى يهدأ بال الأخ ولا تخرج نسمات شكوك من إحدى الجهات، صورة الصديق ليست للكل لكنها موجودة على الخريطة الاجتماعية، حجمها ليس بالهائل، إنما يقترب من حد الظاهرة المتفق عليه مبكراً! [email protected]