انتقدت روسيا «الاخطاء الكثيرة» للرئيس السوري بشار الأسد لكنها رفضت ربط اي مشروع تسوية في سورية بتنحيه. وقال ناشطون وشهود إن قوات الأمن السورية عززت انتشارها في العاصمة دمشق وضواحيها وريفها غداة الاشتباكات العنيفة في حي المزة بدمشق، وتحدثوا عن حواجز أمنية وأكياس رملية ومداهمات واعتقالات ما أثر في حركة الحياة الطبيعية في العاصمة السورية. وواصلت قوات الجيش السوري عملياتها الأمنية في دير الزور التي انسحب منها مقاتلو «الجيش السوري الحر» في ضربة جديدة للمعارضة. فيما قصفت المدفعية حماة وحمص وسقط ما لا يقل عن 30 قتيلا، غالبيتهم في حمص. وجاء استمرار التصعيد الأمني مع اعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده مستعدة للموافقة على بيان رئاسي في المجلس يدعم مهمة السلام التي يقوم بها المبعوث الدولي والعربي في سورية كوفي أنان ما دام البيان «لا يوجه انذاراً» لحكومة الرئيس بشار الاسد. وقال لافروف لاذاعة «كومرسانت اف.ام» «نعتقد ان القيادة السورية ردت بشكل خاطئ على الاحتجاجات السلمية عند بدء ظهورها وارتكبت أخطاء كثيرة أدت إلى تفاقم الازمة»، غير انه اضاف أن «مسألة من سيقود سورية في فترة انتقالية» لا يمكن اقرارها إلا من خلال حوار يشمل الحكومة والمعارضة وان مطالبة الأسد بالتنحي كشرط لمثل هذا الحوار «غير واقعية». وقال لافروف إن روسيا مستعدة للموافقة على بيان أممي يدعم جهود انان ب«شرطين على الاقل»، أولاً «يجب على مجلس الامن اقرار البيان ليس كانذار أو في شكل مهلة زمنية انما كقاعدة عمل لاستمرار جهود التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية وكل جماعات المعارضة». وثانياً ان تنشر خطة انان علانية. وتواجهت الدول الغربيةوروسيا مجدداً في المجلس خلال جلسة مداولات استغرقت معظم ساعات النهار حول مشروع البيان الرئاسي الذي اقترحته فرنسا لدعم مهمة أنان، ومشروع البيان الذي اقترحته روسيا لإدانة التفجيرات في دمشق وحلب. وتمسكت موسكو بالدعوة الى الوقف المتوازي للعنف من السلطة والمعارضة في وقت واحد. وشكلت نقطة «التوازي في وقف العنف» العقدة الرئيسية رغم دعوة أنان «السلطات السورية الى وقف العنف أولاً باعتبارها الطرف الأقوى، ثم تقوم المعارضة بالتوازي مع القوات الحكومية السورية بخطوات عملية لوقف القتال والعنف» وفق الناطق باسمه أحمد فوزي. وقال فوزي ل«الحياة» إن مقترحات أنان «واضحة جداً بمعنى أن الطرف الأقوى يقوم بالخطوة الأولى، وهو هنا بالطبع الدولة والحكومة السورية». وأضاف أن «الاقتراح هو أن يتوقف الجيش السوري عن القتال وأعمال العنف أولاً ثم تقوم القوات الأخرى والميليشيات التابعة للمعارضة بالتوازي مع القوات الحكومية السورية بخطوات عملية لوقف القتال والعنف في شتى المدن بالتوازي». وقال فوزي «نأمل بأن يقوم المجتمع الدولي بتأييد هذه المقترحات بشكل موحد». وأوضح أن أنان التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في جنيف «وأصدرا بياناً حض المجتمع الدولي على بعث رسالة موحدة». وحول عمل الفريق التقني التابع لمكتب أنان في سورية، قال فوزي إن «الفريق لا يزال في دمشق وهو يجري مشاورات مكثفة مع الجانب السوري في مقترحات أنان الستة وبالأخص آلية المراقبة والإشراف على وقف القتال». وأضاف «هناك أشياء أخرى في هذه المقترحات يقوم الفريق ببحثها فقرة فقرة مع المسؤولين السوريين للاتفاق على خطوات عملية لتنفيذ المقترحات على الأرض». وعقدت الدول الأعضاء في مجلس الامن أمس اجتماعين متتالين للبحث في مشروعي البيانين الفرنسي والروسي. واستمر الاجتماع الأول على مستوى الخبراء حوالى أربع ساعات في مقر البعثة البريطانية قبل أن يعود أعضاء المجلس الى عقد اجتماع كان مقرراً على مستوى السفراء في مجلس الأمن بعد الظهر. وقال ديبلوماسيون إن روسيا طالبت بتعديل الفقرة المتعلقة بوقف أعمال العنف «بحيث يدعو مجلس الأمن في بيانه الى وقف متزامن لأعمال العنف من جانب كل من الحكومة والمعارضة». وإذ رفض السفير الروسي فيتالي تشوركين الرد على سؤال «الحياة» حول فحوى تعديلاته المقترحة أكد السفير لي باودونغ أن «الصين لم تتقدم بتعديلات بل هناك مقترحات روسية». وأوضح ديبلوماسيون أن روسيا طالبت أيضاً بإسقاط الفقرة التي تدعو أنان الى العودة الى مجلس الأمن خلال 7 أيام لإطلاع المجلس على مدى استجابة السلطات السورية الى مقترحاته». وكانت روسيا وضعت مشروع بيانها الذي «يدين بأشد العبارات الهجمات الإرهابية» الأخيرة في دمشق وحلب، تحت «الإجراء الصامت» الذي يعني أن المجلس يوافق على النص المقترح ما لم يقل أحد أعضائه خلاف ذلك. ودعت بريطانيا الى «كسر إجراء الصمت» وفق مصادر ديبلوماسية التي أكدت أن بريطانيا «تريد أن تناقش مسألة التفجيرات في سياق أوسع مما جاء في مشروع البيان الروسي». وأضافت المصادر «لا يمكن التعامل مع التفجيرات في دمشق وحلب وكأنها الحدث الوحيد في سورية ولا بد من تناول مجلس الأمن أعمال العنف برمتها». وقال السفير الفرنسي جيرار آرو «إن المجلس إما أن يتبنى البيانين معاً أو لا يتبنى أياً منهما» في تأكيد على رفض مشروع البيان الروسي في حال أصرت موسكو على تعديلاتها. وقالت السفيرة الأميركية سوزان رايس إن الولاياتالمتحدة «تدعم بالكامل مطالب الشعب السوري نحو سورية موحدة وديموقراطية وحكومة تمثيلية تحترم حقوق الإنسان والحريات الإساسية». وأكدت الدعم الأميركي «الكامل للمبادرة العربية لإنهاء الأزمة سلمياً». وقالت إن الولاياتالمتحدة «وبهدف تعميق عزلة النظام تأخذ في الاعتبار إغلاق السفارات والقنصليات في سورية». وأضافت رايس أن الولاياتالمتحدة «تشجع المعارضة السورية على العمل معاً داخل وخارج سورية التوحد حول رؤية مشتركة لمستقبل البلاد». في موازاة ذلك، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الوضع في سورية «لم يعد محتملاً ولا مقبولاً». وقال خلال زيارة إلى اندونيسيا إن «الوضع في سورية بات من المشكلات التي تثير أكبر قدر من القلق للأسرة الدولية». ودعا أنان «الاسرة الدولية الى العمل بشكل موحد». وتضمن مشروع البيان الروسي إدانة «بأشد العبارات للهجمات الارهابية» التي وقعت في دمشق في 17 و19 آذار (مارس) الجاري وفي حلب اول من أمس. ووفق مشروع البيان الروسي «يدعو مجلس الامن الجميع الى التوقف فوراًً عن أعمال العنف ويؤكد مجدداً أن الارهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين وأن أي أعمال ارهابية هي أعمال اجرامية وغير مبررة بغض النظر عن دوافعها وأينما وقعت وأياً كان مرتكبوها». وفي واشنطن، قال الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني إن الادارة تدرس سبلاً اخرى لتشديد العقوبات على الحكومة السورية، بينما دعا رئيس البرلمان العربي علي سالم الدقباسي، الدول العربية إلى وقف العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، وإعادة النظر بها، وذلك لاستمرار الموقف الروسى المعرقل للجهود الدولية الرامية إلى دعم الشعب السورى. واقترح الدقباسي على البرلمان العربي في الجلسة التي يعقدها اليوم في مقر الجامعة قيام البرلمان العربي بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري. ميدانياً، انسحبت عناصر من «الجيش الحر» من دير الزور أمس بعد مواجهات عنيفة مع الجيش النظامي. وقال بيان لاتحاد اللجان الثورية في دير الزور إن الدبابات دخلت الأحياء السكنية ولا سيما في المناطق الجنوبية الشرقية من دير الزور وإن الجيش الحر انسحب «لتفادي وقوع مجزرة بين المدنيين». وأفاد الناطق باسم تنسيقيات دمشق وريفها ابو عمر عن انتشار كثيف للقوى الامنية في ساحة العباسيين في دمشق وفي معضمية الشام. وقال ان القوى الامنية اجرت مداهمات في مناطق عدة في العاصمة والريف، بينها في دوما والضمير. كما وقعت اشتباكات بين قوات النظام ومجموعات منشقة فجر امس في حيي القابون وبرزة في دمشق. وفي تطور لافت قال مصدر في المعارضة إن مقاتلي المعارضة أفرجوا عن ضابط كبير خطف في حي دوما في دمشق مقابل الافراج عن سجناء وتسليم جثث معارضين ومدنيين لدى الشرطة. وقالت مصادر في المعارضة إن القوات الحكومية قصفت مناطق سكنية أيضاً في مدينتي حماة وحمص وبلدة الرستن. وسقط ما لا يقل عن ثلاثين قتيلاً في اعمال عنف في مناطق عدة امس. في غضون ذلك، حذر ماهر النعيمي أحد عناصر «الجيش الحر» من تدخل ما سماهم ب «القوات الخاصة الروسية» الموجودة في ميناء طرطوس، موضحاً في اتصال هاتفي مع «الحياة» أن «الجيش الحر» يعتبر أي قوات أجنبية فوق الأراضي السورية أو في مياهها الإقليمية «قوات غازية».