عادت العاصمة السورية دمشق إلى قلب المواجهات بين الجيش النظامي و»الجيش السوري الحر»، على رغم التقدم الذي حققته القوات النظامية في المواجهات التي خاضتها في المناطق التي خرجت عن سيطرتها في الفترة الأخيرة، خصوصاً في حمص وإدلب ودرعا. ووقعت المواجهة الأخيرة بعد يوم واحد على تفجيرين بسيارتين ملغومتين وقعا في قلب العاصمة اسفرا عن مقتل 27 شخصاً على الأقل، ما زاد المخاوف من انزلاق العاصمة إلى حالة فوضى. وتبادل النظام والمعارضة المسؤولية عنهما. وتركزت هذه المواجهة في مبنى في حي المزة حيث يقيم ضباط كبار في الجيش، وبدأت ليل الأحد الاثنين واستمرت إلى صباح امس. وفي الرياض، كرر مجلس الوزراء السعودي في الجلسة الأسبوعية التي عقدها امس برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوة مجلس الأمن «إلى ممارسة دوره القانوني وتحمل مسؤولياته الأخلاقية بالمبادرة إلى الدعوة لوقف العنف في سورية ووضع حد لإراقة دماء الشعب السوري الشقيق والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين»، منوهاً في هذا الصدد بعقد الأممالمتحدة منتدى إنسانياً في جنيف الخميس المقبل لتحديد الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري. وتشير التفاصيل التي توافرت عن مواجهات المزة امس أن منشقين قاموا باستهداف منزل ضابط كبير في الجيش برتبة عميد بقذيفة أر بي جي، ثم تحصنوا داخل احد المباني واشتبكوا مع عناصر الأمن لمدة ثلاث ساعات. وذكر التلفزيون السوري أن «الاشتباكات بين قوات حفظ النظام وعناصر إرهابية مسلحة أسفرت عن مقتل ثلاثة من الإرهابيين وعنصر من قوات حفظ النظام». بينما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المجموعة المنشقة التي قامت بالعملية يتراوح عددها بين ستة وعشرة أشخاص، وأسفرت عن مقتل عنصري أمن وجرح 16 آخرين. وقتل أربعة منشقين فيما جرح الباقون أو اعتقلوا. وقال أن 18 من القوات الحكومية أصيبوا في القتال بينما تردد دوي نيران الأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية حتى الفجر. وهذه الاشتباكات هي الأعنف والأقرب إلى مقر قوات الأمن في دمشق منذ اندلاع الانتفاضة السورية. ويقيم في حي المزة مسؤولون وضباط كبار، وقد وقع الاشتباك قرب مبنى لمديرية الأمن السياسي يقع في منطقة الفيلات الغربية وهو مجاور لمنزل نائب رئيس الأركان في الجيش العماد آصف شوكت وللسفارة السويسرية. وتشير المواجهات الأخيرة في هذا الحي، وفق مراقبين، إلى أن المنشقين عن الجيش ناشطون في أحياء دمشق وما زالوا قادرين على توجيه ضربات للقوى الأمنية، على رغم التقدم الذي حققته أخيراً. كما وقعت هذه المواجهات بعد التفجيرين اللذين وقعا في دمشق نهار السبت الماضي. وكان «الجيش السوري الحر» اعلن مسؤوليته عن مواجهات مع الجيش النظامي في السابق غير أن قائده العقيد رياض الأسعد رفض امس في اتصال مع وكالة «اسوشيتدبرس» التعليق على المواجهة في المزة قائلاً «إنها قضية أمنية حساسة». كما قامت امس عشرات الدبابات السورية باقتحام بلدة دير الزور لاستعادة أحياء رئيسية من أفراد «الجيش السوري الحر» وذكر سكان عبر الهاتف أن دبابات وحاملات جند مدرعة دخلت المدينة من الشمال وواجهت مقاومة من مقاتلي المعارضة أثناء توجهها إلى أحياء في جنوب شرقي المدينة كانت قد سقطت في أيدي المعارضين. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هذه الاشتباكات أسفرت عن سقوط 25 على الأقل من المجموعات المسلحة وفقدان 33 منهم وخمسة من القوات النظامية بينهم ضابطان. في هذا الوقت أعلن مصدر في هيئة أركان أسطول البحر الأسود الروسي، إن الناقلة «إيمان» وصلت إلى السواحل السورية من سيفاستوبول وترسو حالياً في ميناء طرطوس. كما أن سفينة الاستكشاف «إكفاتور» توجد في البحر الأبيض المتوسط أيضاً. وذكرت وزارة الدفاع الروسية «أن الناقلة موجودة في مرفأ طرطوس منذ عشرة أيام لضمان إمداد سفن أساطيل البحر الأسود والشمال التي تتولى الأمن في خليج عدن لحمايته من القراصنة، نافية بذلك معلومات أوردتها وسائل إعلام عن وجود سفن حربية في سورية. وأعلن في موسكو امس أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وافق خلال لقاء مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلينبرغر على فكرة وقف إطلاق النار في سورية لمدة ساعتين يومياً لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى مناطق المواجهات ووعد لافروف بالضغط على الحكومة السورية لقبول هذا الاقتراح. وكان اكثر من 500 سوري عبروا الحدود التركية في الساعات ال 24 الأخيرة هرباً من أعمال العنف، ما يرفع إلى 16446 عدد اللاجئين السوريين في تركيا، في حين انضم ضابطان إلى صفوف المنشقين عن الجيش السوري ووصلا إلى تركيا نهار الجمعة الماضي. وبذلك يرتفع إلى تسعة عدد الضباط الذين فروا إلى تركيا مع عشرات العسكريين الآخرين منذ اندلاع حركة الاحتجاج ضد النظام السوري. ووصلت إلى دمشق امس بعثة الخبراء الدوليين الخمسة الذين أوفدهم المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان وستتابع البعثة المشاورات والاقتراحات التي بدأها أنان في زيارته الأخيرة إلى العاصمة السورية. وأعلن المتحدث باسمه احمد فوزي أن زيارة أنان المقبلة إلى دمشق ستكون رهناً إلى حد كبير بالتقدم الذي يتم إحرازه خلال المحادثات بين خبراء الأممالمتحدة والسوريين. وفي نيويورك طرحت فرنسا نيابة عن الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن مشروع بيان رئاسي يهدف إلى دعم النقاط الست التي قدمها كوفي أنان. وطرحت روسيا مشروع بيان آخر يدين التفجيرات الأخيرة في دمشق وحلب يلقيه رئيس المجلس أمام الصحافة. وبقي المشروعان قيد البحث أمس الإثنين مع التطلع إلى إصدارهما اليوم في حال حصلا على الإجماع. وحصلت «الحياة» على مسودة مشروع البيان الرئاسي الذي يعبر مجلس الأمن بموجبه «عن دعمه الكامل للمبعوث المشترك في سعيه إلى الإنهاء الفوري لكل أنواع العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، ولضمان حرية وصول المعونات الإنسانية، ولتسهيل عملية انتقالية سياسية يقودها السوريون نحو نظام سياسي ديموقراطي وتعددي يتساوى فيه المواطنون السوريون بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية أو العقائدية، بما في ذلك من خلال البدء بحوار سياسي شامل ما بين الحكومة السورية وجميع أقطاب المعارضة السورية». ويعبر مجلس الأمن بموجب مشروع البيان الرئاسي عن «الدعم الكامل للنقاط الست التي حددها المبعوث المشترك أمام مجلس الأمن في 10 آذار (مارس)، كجزء من اقتراحاته الأولية إلى السلطات السورية». ويعالج أعضاء مجلس الأمن النقاط الست التي على السلطات السورية تنفيذها على النحو الآتي: أ - التزام العمل مع المبعوث المشترك ضمن حوار سياسي سوري حصراً بهدف التطرق إلى التطلعات المشروعة للشعب السوري ومصادر هواجسه. ب - التزام وقف القتال والتوصل بصورة ملحة إلى قيام الأممالمتحدة بالإشراف على وقف العنف المسلح بكل أشكاله ومن قبل جميع الأطراف من أجل حماية المدنيين». ويستطرد أعضاء المجلس في هذه النقطة بالقول «وذلك عبر الوقف الفوري لتحركات القوات العسكرية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة في المراكز السكانية، وبدء سحب التجمعات العسكرية حول المراكز السكانية». ويضيف مشروع البيان «وفيما يتم اتخاذ هذه الإجراءات، سيسعى المبعوث وراء التزامات مماثلة من جميع المجموعات المسلحة الأخرى لوقف العنف تحت آلية إشراف فاعلة للأمم المتحدة». ويتطرق مشروع البيان الرئاسي إلى النقاط الأربع الأخرى فيدعم الإسراع في تقديم المساعدة الإنسانية، ويؤكد ضرورة التنسيق بين الهيئات الدولية «للإفراج عن الأفراد الذين تم اعتقالهم اعتباطاً» بمن فيهم «أولئك الذين خرجوا في تظاهرات سلمية». ويطالب المجلس أن توفر السلطات السورية «قائمة» تحدد «كل مواقع» احتجازهم وضمان حرية وصول المنظمات الدولية المختصة إليهم. ويؤكد مشروع البيان الرئاسي ضرورة «ضمان حرية التحرك للصحافة في كل أنحاء البلاد» و»ضمان حرية التظاهر السلمي المرخص له قانونياً» . ويدعو مجلس الأمن بموجب مشروع البيان الحكومة السورية والمعارضة إلى «الالتزام بالعمل بحسن نية مع المبعوث المشترك وأن ينفذوا خطته فوراً وكاملاً». ولا يزال الموقف الروسي غير واضح في شأن مشروع البيان الغربي، لكن مصادر اعتبرت أن الاتفاق عليه «سيشكل تراجعاً من الطرفين الروسي والغربي عن تشددهما في المسألة السورية». وقالت مصادر مجلس الأمن إن الفريق التقني التابع لمكتب المبعوث الدولي العربي المشترك يعمل في دمشق الآن على «التوصل إلى اتفاق مع السلطات السورية على آلية لانسحاب قواتها من المدن ووقف العنف» ليعود إلى مجلس الأمن باقتراحات عملية حول تطبيق الآلية. وقال رئيس مجلس الأمن السفير البريطاني مارك ليال غرانت إن فرنسا طرحت مشروع بيان رئاسي «لتأكيد دعم مجلس الأمن الكامل لمهمة أنان». وطرحت روسيا في المقابل مشروع بيان صحافي «حول الاعتداءات الأخيرة في دمشق وحلب» وأوضح أن الدول الأعضاء تنتظر التعليمات من عواصمها حول مشروعي البيانين. وقال السفير الفرنسي جيرار آرو إن طرح مشروع البيان الرئاسي لا يعني الاستغناء عن مشروع القرار المطروح في شأن سورية. وأوضح أن المشروع «يركز فقط على دعم مهمة أنان ونأمل بأن يتم تبنيه بعد ظهر الثلثاء». وقال السفير المغربي محمد لوليشكي إن المغرب يدعم مشروع البيان «لأننا كنا من عداد الدول التي أكدت دعمها أنان في الجلسة المغلقة الجمعة».