على غير عادة الانتخابات الرئاسية الأميركية لم يقدر للثلثاء العظيم أن يحسم أمر المرشح الذي سيمثل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، فعلى رغم تقدم المرشح المورموني ميت رومني في عدة ولايات وبخاصة في ولاية أوهايو المهمة، إلا أن الفوز المقابل للمرشح الجمهوري ريك سانتوروم غيّر المشهد. أننا أمام مرشحين للجمهوريين، رومني الذي يراهن على الاقتصاد ويقدم نفسه على أنه الشخصية القادرة على استعادة الحلم الأميركي انطلاقاً من أن أوباما فشل في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وسانتوروم الذي يلعب على الأوتار الدينية، والذي يبدو وكأنه المدافع عن القيم المسيحية، وقد حقق بالفعل سلسلة انتصارات مفاجئة في شباط الماضي اعتماداً على الجناح اليميني في الحزب، وعلى حزب الشاي وعلى المسيحيين المتطرفين. وعلى رغم صعوبة تقدير الضرر الذي أصاب رومني على المدى البعيد من جراء فوز سانتوروم الأخير فإن علامة الاستفهام التي ترتسم في هذا السياق، تتمثل بالسؤال التالي: ما الذي دفع قطاع كبير من الناخبين للتصويت لسانتوروم؟ حكماً هناك قضايا بعينها يعزف سانتوروم على أوتارها، المحافظية الدينية، والإسلاموفوبيا، والموقف من برنامج إيران النووي. يمكن القول بداية إن سانتوروم يعزف على أوتار المحافظين الجدد والقدامى على حد سواء، الديموقراطيين والجمهوريين، وقد حاول بالفعل إن يقود حملته على هذا الأساس في ولايتي مينسوتا وميزوري، اللتين تعتبران مرتعاً لمؤيدي حركة حزب الشاي المحافظ والمحافظين المتدينين. وهناك في واقع الأمر مشاهد بعينها تشير إلى مغازلة سانتوروم لهذا الفصيل، منها رفضه للإجهاض، حتى إذا كان الحمل ناتجاً من جريمة اغتصاب، وفي حديث الى شبكة «سي أن أن» قال سانتوروم إنه سيظل يقاوم فكرة الإجهاض وسيسعى لإصدار تشريع دستوري يجرم ذلك، وإنه ليس من حق أي أحد أن يقتل هدية من الله». وسانتوروم يعتمد في حملته الانتخابية على توجهه الديني ويؤكد أنه يسعى لتعديل القوانين الأميركية التي «تشوبها» العديد من الخروقات. ليس هذا فحسب بل إن سانتوروم الروماني الكاثوليكي، دائماً ما يثير أكثر القضايا إثارة للخلاف على الصعيد الديني، مثل الإجهاض وحقوق المثليين ودور الدين في مؤسسات الدولة، وكثيراً ما كان يستخدم لغة مهيجة في النضال من أجل هذه القضايا، حيث شبه المثلية الجنسية بزنا المحارم، ودعا إلى حماية الزواج التقليدي باعتباره «قضية أمن قومي». الركن الثاني أو الأساس الأخلاقي الذي يعتمد عليه سانتوروم في حملته الانتخابية يتمثل في استخدامه لفزاعة الإسلاموفوبيا، وهي أداة تقليدية في واشنطن منذ الحادي عشر من أيلول وربما قبله. عشية الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي أجريت في ولاية كارولينا الشمالية، المعروفة باتجاهها الكاثوليكي، كرر سانتوروم هجومه على الإسلام وقال إن مفاهيم الحرية والمساواة التي قامت على أساسها الولاياتالمتحدة لا تأتي من الإسلام أو الشرق أو دياناته. وسانتوروم السيناتور السابق يعد من أبرز السياسيين والمتحدثين عداء للإسلام في الولاياتالمتحدة، حيث شارك في ما سمي أسبوع التوعية ب «الفاشية الإسلامية»، في عدد من الجامعات الأميركية في تشرين الأول 2007، إلى جانب عدد من مهاجمي الإسلام في الولاياتالمتحدة الأميركية. كذلك في حزيران 2011 شبه الرجل مفهوم الجهاد في الإسلام بالنازية، حيث قال: إن كتاب أدولف هتلر الشهير كفاحي يعني الكفاح والجهاد على حد زعمه». ولسانتوروم حضور ملحوظ على صعيد الأوساط البحثية والأكاديمية الأميركية، ففي عام 2007، انضم سانتوروم إلى «مركز الأخلاق والسياسة العامة» في العاصمة واشنطن حيث شغل منصب مدير ما يعرف ب «برنامج أعداء أميركا» الذي يركز على التهديدات الخارجية ضد ما يصفه ب «الفاشية الإسلامية، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، وروسيا». وغير جديد القول بأن سانتوروم قد أعرب من قبل عن تأييده لإخضاع المسلمين للتفتيش الضوئي بالمطارات مؤكدا إن المسلم يحب الانتباه له. ماذا عن القائم الثالث الذي يستند عليه سانتوروم ؟ حكما هو الحديث عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبرنامجها النووي الذي يزايد الجميع عليه اليوم. سانتوروم لم يشذ عن مواقف بقية المرشحين الجمهوريين لسباق الرئاسة إذ لم يتردد في القول بأن إيران تشكل خطراً يجب وقفه، ويلزم فعل كل ما هو ممكن لمنعها من الحصول على السلاح النووي، وان الخيار العسكري يجب إن يكون حاضراً إذا فشل خيار العقوبات الاقتصادية. مواقف سانتوروم لا تدفع ميت رومني فقط للتشدد تجاه ملفات السياسة الخارجية الأميركية فحسب، بل ربما تقود أوباما إلى فعل ما لا يجب أو يرضى، كاختيار المواجهة العسكرية مع إيران وهو الخيار الذي يرفضه حتى الساعة، لكن ربما يجد نفسه وتحت ضغوط الانتخابات في الأشهر المقبلة والحاجة الماسة إلى الترويج لشعبيته، ماضياً في ذاك الطريق. هل نحن أمام ظاهرة اسمها ريك سانتوروم؟ ربما نحن بالفعل أمام لحظة حرجة وحاسمة للجمهوريين عليهم حسمها؟ وإلا فسيطول انتظار عودتهم للبيت الأبيض أربع سنوات أخرى ربما.