مرّت ايام على وفاة باشونغ أبرز وجوه موسيقى الروك الفرنسية. ولم تهدأ حركة توافد الزوار المفجوعين بوفاته على منتديات الإنترنت الفرنسية. ويلجأ هؤلاء الى كلمات باشونغ للتعبير عن ألم فقدانه. وأقراص أغانيه المدمجة نفدت من المتاجر. فوفاته خلّفت شعوراً بالفقد والنقصان. فآلان باشونغ كان الشاهد على انزلاق فتوة جيل كامل وعمره من بين يديه، وتبدد سن الشباب. وهو نفخ في بوق الموسيقى كلمات وشعراً نثرياً يحتفي بالنجاة من الموت، وينقل أصداء ضجيج الحشود في أغنية «ديستروي» (دمر). وهذه الاغنية هي في مثابة عقد رومنطيقي أبرم مع موسيقى الروك الفرنسية. وغنّى باشونغ في «بلاي بليسور» (حرّك الجراح) قائلاً: «أتوقع الاسوأ/ جراح الانهيارات الداخلية والاهواء، والحفلات/ والمجازر والدماء». وخيّم شبح القلق المسموم، ودوار النسيان والعدم والغموض، على كلمات أغنية أنشدها تحيةً الى ذكرى سيرج غانسبور قال فيها: «ألتقي جمهوري/ ألتقيه في الذروة». وكأنه حدس في موته في هذه الاغنية. فهو التقى جمهوره في مساء فظيع في 2009، وكان هذا لقاءه الاخير. ودع جمهوره على منصة موسيقى الروك. ورأى باشونغ أن موسيقى الروك وعد بالخلود. وبعد الإعلان عن مرضه، أمضى باشونغ الأشهر الأخيرة من حياته في إقامة حفلات صاخبة وحزينة. وبدا وكأنه انطلق في جولات لا ختام لها. ولم يفقد غناء باشونغ عذوبته على المسرح، على رغم غلبة التعب عليه. وغمر دفء المشاعر صوته في ابيات أغنيته الاخيرة. وأنشد: «لن أخشى بعد اليوم سحر زهرة اللفاح، ولا أخشى مصيري، ولا أخشى شيئاً». وأعرب للمقربين عن إحساسه أنه يشعر أنه يعيش حياة ثانية مليئة بأمواج الحب والانفعالات. ورثاه صحافي في صحيفة «ليبراسيون» قائلاً: «كان يبتكر الحياة كل مساء، ويتحدى الموت بالغناء». وفي الثمانينات، احتفت «ليبراسيون» بموسيقى باشونغ. فهي حققت توق الفرنسيين الى موسيقى روك فرنسية. ويروي باشونغ أنه أُخذ بألحان موسيقى الروك الاميركية والانكليزية، على رغم أنه لم يفقه شيئاً من كلماتها. ولكن «هذه الموسيقى كانت تحركني، وغرابة هذه الموسيقى لا نظير لها في الموسيقى الفرنسية». وفي السبعينات، سعى باشونغ الى ابتكار موسيقى الروك الفرنسية. فأمضى أياماً طويلة بصحبة بوريس بريغمن في شقة صغيرة بمونمارتر. وانصرف الرجلان الى الاستماع الى نغمات موسيقى فودوية، نسبة الى طقوس الفودو الهايتية، ومقاطع اغنيات روك. وأطلق باشونغ وصديقه العنان الى هوسهما المشترك بالاصوات. واستوحيا ثقافة ال «بانك» وموسيقاها. واحتذيا على طريقة إلفيس كوستيلو وأيان دوري في تأليف الموسيقى. وولدت من هذه المعمعة لازمة أغنية عبثية تقول: «اشعر بشيء مثل الفراغ/ انقذني جوني كيد»، وقصص لا يتميز أولها من ختامها، وهذيان ماجن، ومجموعة صور أخاذة وغوطية الطابع. وفي ختام حفلاته، كان صوت باشونغ يخفت، وكأن الالم ذهب بصوته محاكياً أغانيه. * صحافي، عن «تيليراما» الفرنسية، 25/3/2009، إعداد منال نحاس عن «واكس ميوزك.كوم»