في بادرة جريئة على مستوى البرامج التلفزيونية في قناة مغربية عامة، قررت القناة التلفزيونية الثانية (دوزيم) تقديم برنامج وثائقي يتتبع سيرة حياة مجموعة من الأعلام الذين طبعوا مجالات معرفية وفكرية وسياسية بخصوصية أعمالهم. وقد حرص برنامج «شريط حياة» على التركيز على هذه السير من خلال تقسيم الحلقة إلى فصول، تركز على الشخصية المقدمة من خلال بعض اللحظات القوية في حياتها بالاستعانة بأشرطة مسجلة لها وصور، إضافة إلى التطرق إلى الأحداث التي عاصرتها والفضاءات التي وجدت فيها. فضلاً عن استضافة مجموعة من أصدقائها أو الذين اشتغلوا معها في المجال ذاته أو تقاطعت مسيرة حياتها بهم. هذا على الأقل ما تبدى لنا ونحن نتابع الحلقة الأولى من هذا البرنامج حول الكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المالح. وحملت الحلقة عنوان «العاشق الأسير»، وهو اسم مأخوذ من عنوان كتاب للمالح، خصصه للحديث عن الكاتب الفرنسي جان جينيه الذي له أيضاً كتاب يحمل العنوان ذاته، ويعد من بين أهم كتبه. وقد أطلق هذا الاسم على إدمون عمران المالح في هذه الحلقة باعتباره عاشقاً لبلده المغرب وأسير حبه. وافتتحت الحلقة بتقديم المالح بصوت رضا بنجلون، باعتبار الكاتب «مغربياً - يهودياً - أمازيغياً - عربياً - فلسطينياً وفرانكوفونياً». بعدها تحدثت مقدمة البرنامج سمية دغوغي عن المالح كأحد كتاب المغرب، محددة مجالات اهتماماته. وقد حرص المخرج على جعلها تتحدث في صالة سينمائية، تجلس حيناً على إحدى الكراسي، وحيناً آخر، يأتي صوتها من خارج الصورة، ما أعطى الحلقة طابع الفيلم الوثائقي. ثم توالى أصدقاء الكاتب في الظهور، ومن بينهم أندريه أزولاي ومحمد الطوزي وشمعون ليفي والطاهر بنجلون وخليل غريب وحسان بورقية ومادلين المالح (أخت زوجته) وعبدالرحيم يامو، وسواهم ممن تحدثوا عن أهم المحطات في حياة هذا الكاتب الكبير. وتراوحت الكلمات بين عشق المالح الكبير للمغرب ودفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية، قبل أن تنتقل الصورة إلى فضاء باريس، وخصوصاً منطقة مونبارناس، في فصل حمل عنوان «كاتب في مونبارناس»، ركّز على فكرة أن المالح كان معروفاً، لكنه، مع هذا، كان يوجد على النقيض من الشهرة. وتحدث في هذا السياق الطاهر بنجلون مبيناً أنه حين تعرف إلى المالح لم يكن يعرف أنه كاتب. وحين قدم إليه ذات يوم مخطوط كتابه «المجرى الثابت» أعجب به وقدمه لدار النشر «ماسبيرو»، فقبل نشره على الفور. بعد هذا الكتاب تغير مجرى حياة الكاتب الذي كان حينها في الستين من عمره أو يزيد قليلاً. ولم تكن كتاباته سهلة، بل كان هناك صعوبة في قراءتها، ما جعل منها بعيدة من أن تحقق انتشاراً كبيراً بين القراء العاديين. وتطرقت الحلقة إلى عشقه للطبخ وقدرته على التفنن فيه، إلى حدود أنه كان يقول لأصدقائه ممازحاً بأنه قد عرف في فرنسا بالطبخ أكثر من الكتابة. وتناول المحور الثاني من الحلقة، وعنوانه «البورجوازي الشيوعي»، طفولة الكاتب التي قضاها في مدينة الصويرة ومرض الربو الذي أصيب به في صغره، وتعمقه في الثقافة الفرنسية وتعلمه اللغة العربية ممثلة بالدارجة المغربية. كما تطرق إلى عمله في التدريس في الدارالبيضاء أستاذاً للفلسفة في التعليم الثانوي والتقائه بزوجته ماري - سيسيل، ونضاله السياسي، وصداقاته، خصوصاً صداقته مع الفنان التشكيلي المغربي خليل غريب، وسفره إلى باريس بعد أحداث 1965. وقد ترافقت كل هذا المعلومات بصور ثابتة ومتحركة. في المحور الثالث «حداد وانبعاث»، كان الحديث عن عودته من باريس إلى المغرب بعد وفاة زوجته بمرض السرطان. «لقد عاد إلى المغرب لأنه كان في حاجة إلى الوطن»، كما قالت مادلين المالح. وهكذا استقر في شقة بمدينة الرباط التي تحولت إلى صالون ثقافي من كثرة الزوار. وهناك وجد مجدداً ذاته وأنشأ علاقات مع المثقفين والناس البسطاء، ليختتم المحور الرابع وعنوانه «موغادور... دائماً» بعودته إلى مدينة الصويرة التي دفن فيها كما أراد. باختصار، يأتي برنامج «شريط حياة» ليسدّ ثغرة في خريطة البرامج المغربية التي تحتاج إلى برامج ثقافية، إنسانية، ثائقية أكثر وأكثر.