الكاتب المغربي الراحل محمد شكري صاحب الرواية السير ذاتية «الخبز الحافي» التي عرفت شهرة واسعة وترجمت إلى لغات أجنبية وفي مقدمها الإنكليزية التي أنجزها الكاتب الأميركي الراحل بول بولز، والفرنسية التي قام بها الكاتب المغربي الطاهر بن جلون لا يغيب إلا ليحضر حيناً تلو حين عبر ما يكتب عنه من كتب أو دراسات أو مقالات، أو حتى عبر بعض السير الذاتية التي ما زال صديقه الكاتب حسن العشاب، يتحف بها قراءه كلما حل فصل الصيف. لكن عودة محمد شكري هذه المرة، أخذت طابعاً مختلفاً عن سابقاتها، إذ إنها تحققت ليس من طريق الكلمات كما جرت العادة في السابق، وإنما عبر عرض مجموعة من صوره في معرض فوتوغرافي حمل اسم «الحياة التعيسة لشكري» في إطار الدورة الرابعة لتظاهرة «ليلة المعارض، مسار فني ليلي» التي تحييها مدينتا الرباط والقنيطرة. هذه الصور التي التقطها له الصحافي الإسباني لويس فيغا في أمكنة مغربية متعددة منها سلسلة جبال الريف والأطلس والعرائش وتطوان وطنجة والرباط والدار البيضاء والصويرة وخريبكة وسواها، تقدم سيرة فوتوغرافية للراحل شكري جديرة بالمشاهدة، لأنها تركز على توضيح بعض اللحظات « التعيسة» التي عاشها، وتم تسجيلها والتأريخ لها من طريق هذه الصور التي تعرض في إطار فني يتجاوز ما هو واقعي ليربطه بما هو فني تصويري. وهذا ما يمنح شكري حضوراً آخر، ومتلقين جدداً، هو عاشق الكلمات، الذي كان يحرص كثيراً كلما توفرت له الفرصة على ضم بعض صوره إلى الكتب التي يؤلفها. وقد بدأ الأمر معه كما لدى معظم الكتاب في العالم بوضع صورة له يحرص على انتقائها بدقة وبحس تشكيلي بديع على أغلفة كتبه، ليمتد بعد ذلك إلى كتابه الحواري وعنوانه «حوار» وكان أنجزه مع الكاتبين المغربيين اللذين ربطتهما به علاقة أدبية عميقة، وهما المسرحي الزبير بن بوشتى والناقد يحيى بن وليد. وهو كتاب مهم جداً يتحدث فيه محمد شكري عن مساره الأدبي بكثير من التلقائية والعمق معاً، خصوصاً أن الأسئلة التي وجهت له فيه كانت محكمة وشاملة. وتدل الصور المعروضة على مدى اهتمام شكري بصوره ومنحها طابعاً إبداعياً جديراً بالمشاهدة والمتابعة. وهو أمر يسترعي الانتباه ويدعو إلى ضرورة الاهتمام به، فالصورة تستطيع أن تقدم وجهاً جديداً للكاتب يتمم ما كتبه في أعماله أو قد يقدم صوراً أو آراء مختلفة عنها تماماً. يشكل المعرض الفوتوغرافي الفني لبعض صور محمد شكري، التي التقطها صحافي اسباني، إعادة اعتبار له ودعوة مجددة ليس فقط لمشاهدة هذه الصور المعروضة، والاكتفاء بذلك، وإنما أيضاً إلى إعادة قراءة مختلف إبداعاته الروائية والقصصية والمسرحية في شكل عميق، يتم فيه التركيز على مستواها الأدبي الرفيع وليس على اعتبار أن هذا الأدب هو مجرد ظاهرة أدبية اجتماعية فحسب.