أعلن مسؤولون في الاستخبارات الأميركية ان الطائرة الماليزية التي تحطمت شرق اوكرانيا الخميس الماضي «قد يكون أسقطها من طريق الخطأ انفصاليون اوكرانيون موالون لروسيا غير مدربين»، لكنهم استبعدوا تحميل روسيااوكرانيا مسؤولية الحادث «لأن كييف ليست لديها انظمة صواريخ من نوع بوك اس اي 11 في المنطقة الخاضعة بوضوح لسيطرة الانفصاليين، لذا تعتبر الرواية الروسية لأغراض دعائية». وقال مسؤول كبير فضّل عدم ذكر اسمه: «تشير معطيات الأقمار الاصطناعية الأميركية ووسائل استخبارات تقنية أخرى الى ان انفصاليين اطلقوا الصاروخ ارض - جو الذي فجّر الطائرة، لكن ليس واضحاً من اطلق الصاروخ ولماذا»، علماً ان جنرالاً روسياً شكّك في الرواية الأميركية للحادث، وطالب واشنطن بابراز صور الاقمار الاصطناعية لاثبات ما تقوله، فيما اتهمت وزارة الخارجية الروسية كييف ب «تزوير معلومات المراقبة الجوية الخاصة بالحادث من دون ابلاغ المنظمات الدولية، ما يخل بوضوح بمبدأ اجراء تحقيق موضوعي غير منحاز». واعتبر المسؤول الأميركي ان «التفسير الأكثر ترجيحاً هو حصول خطأ، واطلاق فريق غير مدرب الصاروخ استند الى بيانات رادار واحد تابع لبطارية صواريخ بدلاً من شبكة رادارات كانت ستعطي صورة أوضح وأكثر شمولاً عن حركة الملاحة الجوية، علماً ان النظام المستخدم، يتطلب تدريباً وحرفية». واشار المسؤول الى انه رغم اطلاق الصاروخ من منطقة يسيطر عليها الانفصاليون لا يزال مستحيلاً تحديد الجهة التي ضغطت على الزناد، ولا نعرف سبب ذلك. وذكّر المسؤول بحصول «اخطاء في الماضي» أدى فيها اطلاق صواريخ روسية وأميركية الى اسقاط طائرات ركاب، بينها اسقاط مقاتلة سوفياتية طائرة مدنية كورية عام 1983، ثم اسقاط بارجة اميركية طائرة ايرانية من طراز «ايرباص» عام 1988. وشوهد عناصر شبه عسكريين روسيين في موقع الحادث شرق اوكرانيا. لكن وكالات الاستخبارات الأميركية لا تملك ادلة دامغة بأن الروس كانوا مع الوحدة التي اطلقت الصاروخ على الطائرة. كما لم تلاحظ الاستخبارات الأميركية نقل صواريخ «اس اي 11» الكبيرة الحجم، رغم انها رصدت حركة كثيفة لأسلحة ثقيلة بينها انظمة دفاع جوي من روسيا الى اوكرانيا. وأكد مسؤولو الاستخبارات الأميركية ان عسكريين روس دربوا انفصاليين على استخدام اسلحة بينها انظمة دفاع جوية في قاعدة كبيرة في روستوف، لكن ليس واضحاً اذا كانت التدريبات شملت استخدام بطاريات صواريخ «اس اي 11». وبعد ستة ايام على كارثة تحطم الطائرة التي خلّفت 298 قتيلاً، اقلعت طائرة من مدينة خاركيف الأوكرانية حاملة 40 نعشاً للضحايا الى هولندا التي قتل 193 من مواطنيها. ولم يشاهد أي مسعف أو حارس في موقع تحطم الطائرة الذي عثر فيه على 247 جثة، ما دفع رئيس الوزراء الاسترالي توني ابوت الاربعاء الى استنكار تواجد عدد كبير من الجثث «في العراء عرضة لشمس الصيف والحيوانات» في موقع الحادث. وكان رئيس الوزراء الهولندي مارك روته ابدى استعداده لارسال بعثة من الشرطة برعاية الأممالمتحدة، مع استراليا ودول اخرى لديها رعايا بين الضحايا، للحفاظ على موقع سقوط الطائرة في المنطقة التي يسيطر عليها الانفصاليون، وضمان اجراء تحقيق مستقل. وبعد لقائها رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبدالرزاق، دعت المستشارة الألمانية انغيلا مركل روسيا «الى بذل جهود اكبر ازاء الانفصاليين الذين يعيقون بشكل غير مقبول مراقبة منطقة الحادث». الى ذلك، وصل الصندوقان الأسودان للطائرة المنكوبة الى بريطانيا حيث تسلمهما محققون بريطانيون لتحليلهما. لكن يستبعد ان يسمح مضمونهما بالتعرف الى مصدر الصاروخ الذي اسقط الطائرة. اوباما وفي زيارة الى السفارة الهولندية بواشنطن، كتب الرئيس الأميركي باراك اوباما في سجل التعازي: «لن تستريح الولاياتالمتحدة حتى يلقى المسؤولون عن اسقاط الطائرة الماليزية الجزاء العادل». واعقب ذلك افاد البيت الابيض في بيان بأن «اوباما ورئيس الوزراء الهولندي روته إتفقا اثناء مكالمة هاتفية على زيادة الأعباء على روسيا إذا واصلت دعم الانفصاليين الذين يستخدمون العنف شرق اوكرانيا، خصوصاً عبر ارسال أسلحة». وتابع البيت الابيض: «رحب الرئيس بادانة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بقوة الاعمال التي تسببت بهذه المأساة، والاعداد لعقوبات اضافية ضد من يزعزعون استقرار اوكرانيا، وعلى الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة ان يبقيا موحدين في مواجهة أحداث أوكرانيا». واعلنت واشنطن قبل اسبوع فرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو تستهدف خصوصاً مجموعة «روسنفت» للنفط والبنك التابع لمجموعة «غازبروم»، فيما سيُعّد الاتحاد الأوروبي اليوم لائحة بأفراد وكيانات روسية تستهدفها عقوبات محددة الأهداف بسبب دعمها الانفصاليين، بحسب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون. ويمكن ان تطاول العقوبات قطاعات التكنولوجيا الحساسة والعسكرية، وايضا الوصول الى اسواق مالية اوروبية ومنتجات ذات الاستخدام المزدوج، اي مدني وعسكري، وقطاع الطاقة ايضاً، علماً ان غونتر أوتينغر، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي قال إن «الاتحاد يجب ان يحجب عن روسيا المساعدة الفنية التي تحتاجها لاستغلال حقول النفط والغاز في القطب الشمالي». وزادت الضغوط ايضاً على فرنسا لتعدل عن تسليم روسيا سفناً عسكرية من طراز ميسترال، بموجب صفقة وقعت عام 2011. في ملبورن، دعا الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الدول الى عدم التساهل في قضية تحطم الطائرة الماليزية، معتبراً ان الذين اسقطوها او قدموا وسائل اسقاطها يقفون في صف الوحشية. واشاد كلينتون امام مجموعة من العلماء والناشطين والسياسيين في المؤتمر الدولي حول الايدز في ملبورن، بستة من ركاب الطائرة الماليزية كانوا متوجهين الى استراليا عبر كوالالمبور للمشاركة في المؤتمر. وقال ان «فرضية اسقاط الانفصاليين الطائرة من طريق الخطأ لا تغير شيئاً، وآمل بأن تتمعن كل الدول التي تثمن الحرية والشرف في كلمات وزير الخارجية الهولندي فرانس تيمرمانس قبل ان تقول ربما علينا الاعتدال في رغبتنا باتخاذ موقف حازم لأنهم لم ينووا اسقاط الطائرة». اللاجئون الأوكرانيون على صعيد آخر، بات تدفق اكثر من نصف مليون لاجئ اوكراني الى اراضي روسيا هرباً من المعارك شرق بلادهم يطرح مشكلة كبيرة لموسكو. وقال رئيس جهاز الهجرة الروسي قسطنطين رومودانوفسكي: «وصل منذ الأول من نيسان (ابريل) اكثر من 515 ألف شخص من جنوب شرقي اوكرانيا، ويقيم اكثر من 80 في المئة منهم في مناطق الحدود». واشار الى توجه حوالى 144 ألفاً من هؤلاء اللاجئين الى اجهزة الهجرة الروسية لطلب وضع خاص، وطلب 38 الفاً اللجوء «لكننا لا نستبعد ان يطلب معظمهم الجنسية الروسية». ولمواجهة حركة الهجرة فتحت السلطات الروسية 400 مخيم استقبال موقت معظمها في منطقة روستوف (جنوب) المحاذية لأوكرانيا. واحتسبت تكاليف استقبال اللاجئين من موازنة المناطق، لكن حاكم روستوف قرر منحها نحو 74 مليون يورو لمواجهة هذه الاعباء. وقال رئيس الوزراء ديميتري مدفيديف: «ان الحكومة رصدت 4 بلايين و940 مليون روبل (105 ملايين يورو) لمساعدة اللاجئين، وهذا مبلغ كبير». كذلك باشرت السلطات نقل المخيمات الى مناطق أخرى خصوصاً وسط البلاد، سعياً الى تخفيف الضغط عن المناطق الحدودية وبأمل ان يقيم اللاجئون هناك في شكل دائم. واعدت السلطات الروسية مشروع مرسوم ينص على امكان ان يحظى اللاجئون الاوكرانيون الذين يتكلم غالبيتهم الروسية، بآلية مبسطة للحصول على الجنسية الروسية. وقال يفغيني غونتماخر، مدير مركز السياسة الاجتماعية في معهد الاقتصاد بموسكو: «نحتاج الى سكان ويد عاملة، ولدينا هنا عشرات آلاف الاشخاص القريبين من عقليتنا ولغتنا وثقافتنا».