مصر كلها في ثورة على السماح لعاملين في منظمات غير حكومية وغير مسجلة بالعمل في مصر، ويواجهون محاكمة بمغادرة البلاد، وهو قرار أوقع خلافاً بين القضاة والمحامين أنفسهم، وبين الحكومة ومجلسي الشعب والشورى، وبين المواطنين وكل مَنْ سبق، ومعهم المجلس العسكري، الذي حاول النأي بنفسه عن المشكلة، بل ان قضاة الاستئناف المصريين يطالبون بإلغاء تفويض الرئيس الاصلي للمحاكمة المستشار عبدالمعز ابراهيم. كلنا يعرف هذا، غير أن لوبي اسرائيل والليكوديين الاميركيين الآخرين والمحافظين الجدد لا يستطيعون أن يقولوا إن مصر كلها ضد السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، وإنما يهاجمون السيدة فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية، وكأنها اخترعت مشكلة من لا شيء. مصر بلد بيروقراطي، فهو شبه مستقل ثم مستقل منذ مئتي سنة ونيف، أو منذ فرار نابليون تحت جنح الظلام سنة 1799. والمشكلة ببساطة أن هناك عشر منظمات مدنية، منها خمس اميركية، عَمِلَت من دون ترخيص في مصر وتعرضت لمساءلة قانونية. والإدارة الاميركية «تتبرع» بالإعلان أنها تموّل هذه المنظمات غير الشرعية. أما مشاعر المصريين، فهي في كل ميديا البلد، وأختار من «الأهرام» أن التمويل الأجنبي «استهدف زرع الفتنة الطائفية والعنصرية.» وبما أن أختنا فايزة أبو النجا تعرضت لحملة قبل شهر شرحتُ تفاصيلها في هذه الزاوية، ولانتقاد ديفيد كريمر، المدير التنفيذي ل«بيت الحرية» (فريدوم هاوس)، أي موضوع مقالي أمس، فإنني أبقى مع «الأهرام»، وهي تقول نقلاً عن مسؤول التحريات في القضية، رأيه في هذه المؤسسة، وخلاصته: «كان هدفها بث حالة من عدم الثقة بين أوساط المواطنين، والتحريض بجميع الطرق ضد الدولة ومؤسساتها... ورصد المستويات الاجتماعية والإنسانية للأقباط وأبناء النوبة داخل البلاد، والعمل على إثارة قضاياهم ومشكلاتهم لخدمة أهدافهم، وفي مقدمها زرع الفتنة الطائفية والعنصرية وتأجيجها وحض المواطنين على المطالبة بتقسيم البلاد...». ما سبق غيض من فيض، والميديا المصرية متوافرة للراغب. ثمة مادة تكفي لكتاب، غير أن المساحة المتوافرة هي بضع فقرات في زاوية يومية، فأقول إن «سي آي ايه» أقامت مؤسسات وهمية في الخمسينات والستينات لمكافحة الشيوعية، غير أن الكونغرس في ولاية رونالد ريغان في الثمانينات أنشأ الوقف القومي للديموقراطية، ومن المنظمات الأميركية المتهمة في مصر التي تتلقى دعماً مالياً اميركياً عبر الوقف الحكومي: المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديموقراطي الوطني، وبيت الحرية، والمركز الدولي (الاميركي) للصحافة. أتجاوز مؤسستَي الحزبين الجمهوري والديموقراطي ومركز الصحافة، وأكتفي ببيت الحرية، بعد ردِّ مديره على الوزيرة المصرية. بيت الحرية تحوّل في السنوات الأخيرة الى مَعقل للمحافظين الجدد ولوبي اسرائيل وعصابتها، ويكفي لمعرفة توجهه، أن مجلس الأمناء ضم توماس داين، الذي جاء اليه بعد أن عمل مديراً تنفيذياً للجنة العلاقات العامة الاميركية (آيباك) أو لوبي اسرائيل. ووجدتُ معه كنيث ايدلمان، الذي زعم سنة 2002 أن الحرب على العراق ستكون نزهة، وقال بعد شهر من احتلال العراق في 2003، أن سهولة إسقاط صدام حسين أثبتت صحة رأيه، ثم اعتذر وسحب كلامه قرب أواخر 2006 بعد أن دمرت المقاومة والإرهاب أحلام عصابة إسرائيل. وفي حين أنني لا أعرف كثيراً عن ديفيد كريمر، المدير التنفيذي الحالي لبيت الحرية، فقد قرأت أنه كان زميلاً كبيراً في مشروع «القرن الأميركي الجديد» الذي أسسه سنة 1997 أحقر أنصار اسرائيل من أعداء العرب والمسلمين، ورأسه وليام كريستول، عرّاب العصابة بعد أبيه إيرفنغ. هذا المشروع طالَبَ في رسالة الى بيل كلينتون بحرب على العراق في 26/1/1998، وهاجمه عندما لم يفعل، ودعا الى حرب على العراق في رسالة أخرى الى جورج بوش في 20/9/2001، بعد الإرهاب المعروف، واستهداف حزب الله. لم أرَ اسم ديفيد كريمر بين موقعي الرسالتين، فلعله لم يكن من كبار المشروع، ولكن أقول له ما يعرف الاميركيون: قل لي مَنْ أصدقاؤك أقل لك مَنْ أنت. المحافظون الجدد ولوبي اسرائيل والمتطرفون الآخرون لعبوا دوراً في حروب خاسرة اميركياً، قُتل فيها مليون عربي ومسلم، ولا يزال القتل مستمراً، وإسرائيل التي يدافعون عنها إرهابية فاشستية محتلة في أرض فلسطين، وليست ديموقراطية كما يزعم بيت الحرية في تقاريره السنوية. ثم هناك أختنا فايزة أبو النجا وأهل مصر كلها. [email protected]