مع اقتراب موعد انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية اللبنانية خلفاً للمفتي الحالي الشيخ محمد رشيد قباني الذي تنتهي ولايته في منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل، بدأت المعركة تأخذ منحى تصاعدياً بين الأخير وخصومه في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الممددة ولايته في ضوء مبادرة 15 عضواً من أعضاء المجلس المطعون بشرعيته والمحسوب على قباني الى الاستقالة بالتزامن مع دعوتهم للمثول أمام القضاء اللبناني بالدعوى المقامة ضدهم من المجلس الممدد له بجرائم إساءة استعمال السلطة وعرقلة تنفيذ الأحكام القضائية والازدراء بشرائع الدولة وإثارة النعرات المذهبية والحض على النزاع بين الطوائف بمقتضى المواد 317 و371 و372 من قانون العقوبات. وتأتي استقالة هؤلاء الأعضاء من المجلس الشرعي المطعون بشرعية انتخابه من قبل مجلس شورى الدولة باعتبار أن الدعوة التي وجهت الى انتخابهم باطلة، لتُفقد هذا المجلس المدعوم من قباني إمكان الاستمرار، لأن المجلس يتكون من 38 عضواً هم رئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الحكومة السابقون إضافة الى 24 عضواً لم يعترف بانتخابهم و8 معينين مصيرهم كمصير زملائهم. لذلك، فإن المجلس الشرعي المؤيد من قباني لم يعد يملك الأكثرية باستقالة 15 من أصل 32 عضواً يضاف إليهم الأعضاء الستة الدائمون وهم رئيس الحكومة ورؤساء الحكومات السابقون وبالتالي لم يبق منهم سوى 17 من أصل 38 عضواً. وهذا ما يعني أن الخلاف القائم بين قباني والمجلس الممدد له والمدعوم من رؤساء الحكومات بلغ ذروته ولن يحسمه سوى دعوة سلام مجلس الانتخاب المؤلف من 106 أعضاء الى جلسة لانتخاب مفتٍ جديد. وكانت استقالة الأعضاء ال15 أعلنت في مؤتمر صحافي عقد في مقر نقابة الصحافة في حضور النقيب محمد البعلبكي. وتلا رئيس جمعية «الواقع» مصطفى بنبوك بياناً أوضح فيه «أن التكتل المكون من أعضاء جمعية الواقع وبعض المستقلين الممثلين في المجلس، وفي ضوء التداعيات المتلاحقة على خلفية الدعوات الى انتخاب مفت جديد للجمهورية، يهمه الحد من الاستنزاف والتشرذم الحاصل والذي من شأن استمراره ضرب مؤسسة دار الإفتاء، والتكتل لم يرم يوماً ومنذ دخوله الى المجلس الى تحقيق مصلحة شخصية كما لم يكن يسعى الى الإبقاء على مجلسين متنازعين، بل كانت لديه رؤية يهدف من خلالها الى أن يكون فريقاً وسطياً يستطيع رأب الصدع وطرح المبادرات والتسويات بين الطرفين محاولاً بذلك إبقاء صلة الوصل بينهما منعا للقطيعة وتلافياً للانقسام الحاد، وقام بمبادرات لدى مختلف الفاعليات على مدار سنة كاملة، إلا أن كل المساعي باءت بالفشل ولم يستطع الوصول إلى صيغة تنهي المجلسين وتفرز مجلساً موحداً، بل إن الخلاف أخذ أخيراً منحى تصعيدياً إزاء الحديث عن انتخاب أكثر من مفت للجمهورية اللبنانية، ما يضعنا أمام مسؤوليات خطيرة. وتلافياً لما هو أسوأ، وحرصاً على المصلحة العليا للطائفة السنية، نعلن استقالاتنا الجماعية مع ما يترتب على ذلك من انحلال المجلس بحكم القانون وإفقاده أي شرعية». وأوضح عضو المجلس الشرعي الممدد له محمد مراد ل «الحياة»، أنه «أمام هذا الواقع الجديد ونتيجة النصائح التي أسديت لهؤلاء، أقدموا على خطوة الاستقالة لأنهم أدركوا مسؤولية أعمالهم، خصوصاً أن المسار الذي كانوا يسيرون به لم يصل إلى نتيجة إيجابية على صعيد الطائفة ووحدة مؤسساتها، وهي خطوة مباركة وإن أتت متأخرة، ونأمل من بقية الأشخاص الذين يسيرون في ركب المفتي الحذو حذو إخوانهم كي يساهموا في وضع حد للتصرفات السلبية التي أضرت بالطائفة ومؤسساتها، والاستقالة أسقطت سلاحاً من المفتي يستعمله ولم يعد أمامه سوى الاستجابة لصوت العقلاء والحكماء لأننا لا نريد إلا الخير لمؤسسات الطائفة».