إصرار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني على إجراء الانتخابات لأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى غداً الأحد أدخله في مواجهة مع رؤساء الحكومات والعدد الأكبر من نواب الطائفة السنّية ووزرائها وأعضاء الهيئة الناخبة وغالبية أعضاء المجلس الشرعي الممدد لهم إضافة إلى مجلس شورى الدولة الذي رفض بناء لطلب تقدم به محامي المفتي قباني الرجوع عن قراره وقف تنفيذ الدعوة إلى إجراء الانتخابات. وعلمت «الحياة» أن مجلس شورى الدولة جدد قراره عدم تنفيذ الدعوة إلى إجراء الانتخابات بعدما كان صدر عنه قرار مماثل بناء للطعن في دعوة المفتي قباني تقدم به العدد الأكبر من أعضاء المجلس الشرعي الممدد لهم. وأكدت مصادر واكبت الاتصالات الرامية إلى إقناع المفتي قباني بتجميد دعوته إلى الانتخابات أن هيئة العلماء المسلمين انضمت أخيراً إلى الجهود التي قام بها رؤساء الحكومات بعد اجتماعهم في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أن يتقدم باستقالته إضافة إلى جهود مماثلة تولاها عدد من الفاعليات السياسية والدينية من أهل السنّة بأنه لم يبد أي تجاوب وأصر على إجراء الانتخابات ما اضطر الهيئة إلى اتخاذ قرار بمقاطعتها. وقالت إن المقاطعة ستشمل البلديات الكبرى في مراكز المحافظات وتحديداً في بيروتوطرابلس وصيدا وحلبا (عكار) والتي تشكل ثقلاً انتخابياً لأن القانون يسمح لرؤساء مجالسها البلدية وأعضائها من أهل السنّة الاشتراك في انتخاب أعضاء المجلس الشرعي. ولفتت إلى أن المقاطعة تشمل عدداً من قضاة الشرع ورؤساء البلديات، وأكدت أن الهيئة الناخبة في المجلس الشرعي في المنية قررت عدم المشاركة ترشيحاً واقتراعاً في العملية الانتخابية التزاماً بوحدة الطائفة واعتراضاً على اجحاف بحق المنطقة بعدم تحديد مركز ثابت لها في المجلس. وإذ أشارت هذه المصادر إلى أن دورة الانتخاب الأولى تجرى في حضور أكثرية ثلثي أعضاء الهيئة الناخبة، قالت، في المقابل، إن تعذر تأمين هذا الحضور سيؤدي إلى رفع جلسة الانتخاب لساعة على أن تبدأ العملية الانتخابية في حضور النصف زائداً واحداً من أعضاء هذه الهيئة. لكن المصادر نفسها أكدت أن الطعن الذي تقدمت به أكثرية أعضاء المجلس الشرعي لا يتعلق بوقف الانتخابات فحسب وإنما بضم لوائح الشطب أسماء جديدة على الهيئة الناخبة يفتقد بعضها المعايير والشروط المطلوبة للمشاركة في العملية الانتخابية. وتوقفت المصادر أمام ما ورد في رسالة ميقاتي إلى قباني، وقالت إنها تعكس واقع الحال الذي وصلت إليه العلاقة بينهما وتعبر عن أساس المشكلة. وضمّن ميقاتي في رسالته لقباني تجديد الدعوة إلى السير في ما ارتآه رؤساء مجلس الوزراء وأكدوه تكراراً خصوصاً لجهة تأجيل إجراء الانتخابات. ولفت ميقاتي نظر قباني إلى أن عدم الالتزام بما تقضي به الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس شورى الدولة «والتي احتكمتم إليها، كما سواكم، ستعتبر خروجاً عن سيادة القانون واحترام سلطة القضاء، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج سلبية لا نرتضيها بحق مقام دار الإفتاء الذي يجب أن يبقى رائداً في احترام منطق الدولة التي تعتبر الدار جزءاً من انتظامها القانوني». وذكّر ميقاتي بأن «رئاسة مجلس الوزراء لفتت عنايتكم بموجب كتاب الأمين العام لمجلس الوزراء رقم 660 - ص - تاريخ 5/4/2013 إلى أن القرار المتضمن طلبات المرشحين لعضوية المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، مخالفة بدورها للقانون وبالتالي فإن أي انتخاب لأعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، سيكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، ومن الطبيعي أنه لن تعطى له أية مفاعيل، وهذا لا نرضاه لمقام الإفتاء، وهو قطعاً لن يحقق المصلحة العليا للطائفة السنية التي ما خرجت يوماً على منطق الدولة واحترام القانون». وكشفت المصادر المواكبة أن قباني لن يتراجع عن إجراء الانتخابات مع أن رؤساء الحكومات ومعهم النواب والوزراء ورؤساء البلديات كانوا أبلغوا سعاة الخير أنه سيترتب على إصراره، اتخاذ قرار بوقف التعامل معه تمهيداً لقرار آخر. وترفض هذه المصادر تسليط الضوء على طبيعة القرار الآخر الذي تلوح به وتكتفي بالقول إنه سيضع علاقة أركان الطائفة مع المفتي قباني أمام مفترق طرق إذا لم يبادر إلى تدارك التأزم والعودة عن قراره لمصلحة وحدة الموقف داخل الطائفة. وفي السياق، أوضح نائب رئيس المجلس الشرعي عمر مسقاوي في بيان، أن زيارته مع وفد من المجلس للرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام كانت «للتهنئة» وكل ما ورد في بعض الإعلام «كلام عار من الصحة، ونحن القانونيين وباقي الأعضاء في المجلس الشرعي نعرف جيداً الأنظمة والقوانين ونعمل من خلالها، والرئيس العامل الذي يصرِّف الأعمال في الوقت الحالي هو الرئيس ميقاتي وليس الرئيس المكلف سلام»، وأن «أي انتخاب لمجلس شرعي غداً وعدم تقيد المفتي بالقرار القضائي القاضي بإيقافه سيكون باطلاً ولن يعطى له أي مفاعيل». وأكد عضو المجلس محمد المراد في مؤتمر صحافي عقده في طرابلس، أن «هناك قراراً صدر عن مجلس شورى الدولة قضى بوقف تنفيذ قرار المفتي بالدعوة إلى الانتخابات في 14 الجاري، أي أن هناك قراراً يمنع إجراءها، وفي 11 الجاري صدر قرار تأكيدي عن المجلس يطالب المفتي بالرجوع عن القرار الأول».وإذ توقف عند رسالة ميقاتي إلى مفتي الجمهورية، أوضح أن «أي انتخاب لأعضاء المجلس الشرعي سيكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، وهذا لا نرضاه لمقام الإفتاء، ولن يحقق المصلحة العليا للطائفة السنية، التي ما خرجت يوماً على منطق الدولة واحترام القانون». ودعا أعضاء الهيئة الناخبة في المجلس إلى «عدم الذهاب الأحد إلى الانتخابات احتراماً لسلطة القضاء ومنطق الدولة وحفاظاً على المصلحة الإسلامية العليا ووحدة المسلمين».